اللواء محمد ابراهيم الدويرى: موقف مصر يتمسك بانسحاب إسرائيل من محور فيلادلفيا
وقال اللواء محمد إبراهيم الدويري نائب مدير عام المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية، إنه لا يمكن فصل الموقف المصري الرافض تماماً لاستمرار الاحتلال الإسرائيلي لكل من محور فيلادلفيا ومعبر رفح، عن موقف مصر من أزمة غزة ككل، ومعارضتها لاحتلال القوات الإسرائيلية لأجزاء واسعة من القطاع، بل وحتى ما يثار حول نيتها البقاء في القطاع حتى بعد انتهاء الحرب إلى أجل غير مسمى. ورغم أن محور فيلادلفيا ومعبر رفح الفلسطيني يقعان على أرض فلسطينية وليس لهما علاقة مباشرة ببنود معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية الموقعة في مارس/آذار 1979، إلا أن موقف مصر لم يتغير منذ بداية الحرب، وكانت الرسالة والرؤية المصرية حاسمة لا تقبل الجدل، مفادها أنه لا بد من التوصل إلى هدنة تسمح بوقف إطلاق النار، وصفقة تبادل الأسرى، ومن ثم وقف الحرب بشكل كامل، وتمهيد الطريق لإعادة إعمار غزة، على أن تؤدي كل هذه الخطوات إلى الهدف النهائي وهو المفاوضات المؤدية إلى إقامة الدولة الفلسطينية.
إن الموقف المصري الذي يصر على ضرورة انسحاب إسرائيل من محور فيلادلفي ومعبر رفح ينطلق من الآتي: لا مبرر للوجود العسكري الإسرائيلي في الممر، وأن مزاعم وجود أنفاق على الحدود المصرية مع غزة هي مزاعم كاذبة بهدف دعم الوجود غير الشرعي في الممر. إن معبر رفح الفلسطيني هو المعبر البري الوحيد بين غزة ومصر، ويغادره السكان إلى مصر والعالم الخارجي، خاصة وأن المعبر البري الآخر وهو معبر إيرز هو معبر إسرائيلي ولا يسمح للفلسطينيين بعبوره إلا بتنسيق أمني مسبق غير متاح للجميع. ومن المهم أن نتذكر أن مصر لم تكن طرفاً في اتفاقية المعابر التي نظمت العمل في المعبر الفلسطيني ووقعت في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2005 بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، واشترطت وجود قوات شرطة ومراقبة أوروبية على المعبر. لذلك فإن أي نقاش منصف للموقف المصري من أزمة غزة لابد أن يأتي أولاً في إطار الدور التاريخي لمصر تجاه القضية الفلسطينية في كل مراحلها. أما فيما يتعلق بالحرب على غزة، فإن مصر لم تتردد في التحرك المكثف منذ بدايتها، وطرحت أول مقترحات للحل بمراحلها الثلاث في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وأصبحت هذه المقترحات أساساً لكل المفاوضات التي جرت منذ ذلك الحين وحتى الآن.
وأضاف أن مصر على المستوى الإسرائيلي لم تقف يوما مراقبا، بل استخدمت كل الأدوات المتاحة لإدخال المساعدات إلى القطاع، ووقف الكارثة الإنسانية، وإنهاء الحرب، واستثمرت قدرتها على التواصل الدائم مع كل الأطراف المعنية، وخاصة إسرائيل وحماس وقطر والولايات المتحدة، كما حرصت على عدم المساس بجوهر معاهدة السلام طالما لم يخرقها الطرف الآخر، حتى لا تفقد إحدى أهم الأدوات التي تمتلكها، وهي لعب دور الوساطة الفعّال في ظل أصعب الظروف التي تواجه هذه الوساطة.
وقال إن مصر بالتأكيد لم تفاجأ بسياسات نتنياهو المتشددة ومدى ما يمثله الائتلاف الحاكم من قيود إضافية عليه، لكنها كانت واضحة للغاية عندما تحركت على الفور لوقف هذه الحرب الظالمة على غزة، وانخرطت في مفاوضات مكثفة لحلها على مدار عشرة أشهر وحتى هذا الأسبوع. وفي رأيي أن تمسك مصر بالانسحاب الإسرائيلي من ممر فيلادلفيا ومعبر رفح سيكون نقطة تحول في الحرب وسيؤدي إلى تحقيق هدنة، مع الأخذ في الاعتبار أنه لا يوجد ما يمنع من مناقشة أي مقترحات أميركية أو إسرائيلية في هذا الصدد، على أن تكون نتيجتها النهائية انسحاب إسرائيل من الممر والمعبر تمهيدا لانسحاب إسرائيلي كامل من القطاع.
وفي الوقت نفسه، سأواصل طرح مجموعة من الأسئلة المترابطة على نتنياهو، وأهمها: ما هي حساباته لكيفية انتهاء الحرب؟ وما طبيعة اليوم الذي يلي وقف إطلاق النار الدائم؟ وما هي الحدود التي يستطيع أن يصل إليها في علاقاته مع مصر في المستقبل؟ وما هي طموحاته لعملية التطبيع العربية؟ وما مدى قدرته على مواجهة حرب إقليمية لن يكون هو المنتصر فيها بالتأكيد؟ وآمل أن تشكل القراءة الصحيحة للواقع الحالي الإطار الذي يحكم الإجابة على هذه الأسئلة.
أما الولايات المتحدة فلا أجد كلمات أخرى تعبر عن ذلك سوى أن ما يحدث في غزة ظاهرة تكشف عن سياسة المعايير المزدوجة التي تحكم مواقفها، فالإدارة الأميركية أصبحت عاجزة عن مواجهة نتنياهو الذي استقبل بطلاً في الكونغرس في يوليو/تموز الماضي، كما أن عشر زيارات قام بها وزير خارجية أكبر قوة عظمى في العالم إلى المنطقة لم تفلح في وقف الحرب، وأتمنى أن يتحول الشعار المهترئ (آن الأوان لوقف الحرب على غزة فوراً) إلى واقع على الأرض ولو لمرة واحدة، حفاظاً على ما تبقى من مصداقية أميركا. أما المنطقة، فمن المؤسف أنها أصبحت أسيرة تهديدات الدولة الإيرانية التي أرسلت رسالة واضحة للجميع بأنها قادرة على توسيع دائرة الصراع وتفجير الاستقرار الوهمي أو النسبي الحالي، وأن تحقيق شرطها الرئيسي بوقف الحرب على غزة قد يدفعها إلى إعادة التفكير في طبيعة ردها المتوقع والمؤكد ضد إسرائيل، وأنها وحدها صاحبة القرار في استقرار المنطقة أو عدم استقرارها.
وأضاف أن خلاصة الأمر أننا أمام أيام حاسمة، بل ساعات، للوصول إلى هدنة تقترب نظرياً، وهو ما يفرض المسؤولية الأهم ليس على الوسطاء فحسب، بل أيضاً على طرفي الصراع، وتحديداً على إسرائيل أولاً ومن ثم على حماس ثانياً، مع ضرورة استثمار ما أستطيع أن أسميه الفرصة الأخيرة المتاحة للهدنة لوقف كرة النار التي إذا لم نوقف تدحرجها فإن كل من يستهين بها قد يحترق.
للمزيد : تابعنا هنا ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر .
مصدر المعلومات والصور: youm7