اعتزال مُحارب.. أحمد فتحي "الجوكر" الذي لا يخشى القفز إلى المجهول
يُعرف الرياضيون المحاربون بقدرتهم على البقاء في القمة لأطول فترة ممكنة رغم التحديات، بلا كلل، ولأن لكل شيء نهاية، تنتهي الرحلة، في لحظة مشحونة بالعواطف والتاريخ، ينزل المحارب من ساحة المعركة، ليس لأن قوته خارت، ولكن لأنه اختار الوقت المثالي لكتابة الفصل الأخير من ملحمته، بعد سنوات من التضحيات والانتصارات التي أشعلت مشاعر الملايين، حان وقت الوداع.
اعتزل الجوكر – أحمد فتحي – بعد مشوار كروي ذهبي استمر 23 عاما، ليكتب نهاية حقبة أسطورية وحكاية آخر محارب في الجيل الذهبي للفراعنة العظام، الذي عرف فيه المستطيل الأخضر لاعبا من عيار نادر، وقائدا لا يرضى إلا بالمجد، ومقاتلا لا يعرف التراجع.
موهبته ولدت في شوارع الإسماعيلية، مجرد لاعب مغمور يركض وراء حلمه، محاطًا بالتحديات والصعوبات، ولكن بإصراره الذي لا يعرف الكلل سرق الأضواء كلاعب صغير في نادي الإسماعيلي، فأصبح أحد أعمدة الفريق وهو لم يتجاوز العشرين من عمره، وتوج مع الدراويش باللقب في أول موسم له مع الفريق عام 2002، واستمر معهم 7 مواسم متتالية، خاض خلالها 91 مباراة وسجل 11 هدفًا وصنع 5 آخرين.
ثم انضم إلى النادي الأهلي في عام 2007، وشهد مسيرته تحولاً دراماتيكياً، فأصبح أحمد فتحي لاعباً لا غنى عنه في تشكيلة الأهلي، يتنقل بين المراكز بمرونة غير مسبوقة، سواء كمدافع صلب أو كظهير هجومي، كان فتحي جاهزاً لتحدي أي موقف وأي خصم، لم يكن مجرد لاعب، بل محارب في الملعب، يقاتل على كل كرة وكأنها الأخيرة.
وشارك “الجوكر” مع الأهلي في 351 مباراة، سجل خلالها 24 هدفاً وقدم 63 تمريرة حاسمة، وحصد 21 لقباً منها 12 لقباً في الدوري المصري الممتاز، و4 ألقاب في دوري أبطال أفريقيا، و3 ألقاب في كأس السوبر المصري، ولقبين في السوبر الأفريقي، ولقبين في كأس مصر.
لم يخش أحمد فتحي القفز إلى المجهول حين أتيحت له فرصة اللعب بشكل احترافي في إنجلترا عام 2013 مع شيفيلد يونايتد وأرسنال الذي قضى معه فترة تجريبية، لكن لأسباب فنية قرر أرسين فينجر رفضه، فشارك مع هال سيتي في 7 مباريات، وفي عام 2014 انضم إلى فريق أم صلال القطري لمدة موسم وشارك في 17 مباراة.
لقد خاض المجازفة وترك كل شيء خلفه، وفي هذا العالم الجديد واجه لاعبين من الطراز العالمي، لكنه لم يهتز، ورغم أن مغامرته الأوروبية لم تستمر طويلاً، إلا أنها أثبتت أنه قادر على مواجهة التحديات في أي مكان، وأن قوته الذهنية لا تقل عن قوته البدنية، وهو ما أثبته عندما عاد إلى الملاعب المصرية ليقود الأهلي مرة أخرى لاستكمال رحلة النجاح.
وقفز أحمد فتحي إلى المجهول من جديد، هذه المرة بحثًا عن المال، واختار أن يختتم رحلته الكروية مع فريق بيراميدز الذي انضم إليه في نوفمبر 2020 وخاض معه 100 مباراة، قاده خلالها للفوز بكأس مصر على حساب فريق زد، وكان قريبًا من الفوز بالدوري الموسم الماضي، لكن فريقه لم يتمكن من مجاراة الأهلي في مباراتين كانتا بمثابة النهائي، لينهي الفريق رحلته في المركز الثاني بجدول ترتيب الدوري المصري الممتاز.
بعد مسيرة حافلة بالإنجازات واللحظات الاستثنائية، قرر هذا اللاعب الذي لا يعرف الهزيمة إسدال الستار على مسيرته الكروية، تاركاً خلفه إرثاً يصعب تكراره، فلم يكن اعتزال أحمد فتحي مجرد إعلان عن نهاية مسيرة لاعب، بل كان لحظة تجسد نهاية حقبة من العطاء والإصرار على تحقيق المجد، إنه وداع لواحد من أعظم الأسماء التي صنعت الفارق في تاريخ كرة القدم المصرية، لاعب سيظل اسمه محفوراً في ذاكرة منتخب الفراعنة، الذي قادهم للعودة والمشاركة في كأس العالم “روسيا 2018” بعد غياب طويل، كما أنه أحد أعمدة الجيل الذهبي الذي فاز بثلاث نسخ متتالية من كأس الأمم الأفريقية عام 2006 في مصر، و2008 في غانا، و2010 في أنجولا، وهي الكأس الأخيرة التي فاز بها منتخبنا الوطني حتى هذه اللحظة.
للمزيد : تابعنا هنا ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر .