الإفتاء: تنظيم النسل وسيلة لإخراج أجيال قوية تأخذ حقها فى الرعاية المتكاملة
ورد سؤال إلى دار الإفتاء المصرية عبر موقعها الرسمي، جاء فيه: هل تتعارض الدعوة إلى تنظيم الأسرة مع دعوة الشريعة إلى زيادة عدد الأبناء؟
“إن الدعوة إلى تنظيم النسل – تنظيم الأسرة – لا تتعارض مع دعوة الشريعة إلى الإنجاب، والمقصود بالإنجاب في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لأكثِّرنَّكُمْ فِي الْأُمَمِ) هو كثرة المؤمنين الصالحين الأقوياء المنتجين المتقدمين، ويعتبر تنظيم النسل وسيلة لإنتاج أجيال قوية تنال حقها في الرعاية الشاملة والاهتمام الكافي، لتكون أجيالاً صالحة منتجة متقدمة في كل مناحي الحياة، نافعة لنفسها وللآخرين”.
وأوضحت دار الإفتاء أن المقصود بـ “تنظيم النسل” أو ما يعرف بـ “تنظيم الأسرة” ـ كما عرفته منظمة الصحة العالمية ـ هو أن يتخذ الزوجان باختيارهما وقناعتهما الوسائل التي يرونها كافية لتباعد فترات الحمل، أو إيقافه لمدة زمنية محددة يتفقان عليها بينهما؛ لتقليل حجم الأسرة بما يمكن الأبوين من رعاية الأبناء رعاية كاملة دون عيوب.
وأشارت إلى أن المقصود من تنظيم الأسرة جائز ولا تحرّمه نصوص الشريعة الإسلامية، ما دامت هناك أسباب شرعية في الشريعة الإسلامية تدعو إلى تأخير الإنجاب مؤقتاً، وبشرط موافقة الزوجين عليه، وذلك قياساً على جواز العزل -وهو عدم إنزال الرجل أثناء الجماع داخل رحم زوجته حتى لا تحمل- وبشرط ألا يترتب على هذا التأخير ضرر، والعاقل هو الذي يجعل النظام شعاره في كل شيء؛ لأن النظام لا يوجد في كل شيء إلا أن يزينه، قال الله تعالى: {وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم}. [الحجر:21].
وأشارت إلى أن العلماء جمعوا المقاصد التي توجب “العزلة”، ومن بينها: الخوف من كثرة الأولاد والوقوع في الحرج بسببهم، وقد فسر ذلك الإمام الغزالي في كتابه “إحياء علوم الدين” (2/52، ط دار المعرفة – بيروت): قال: [النيات الباعثة على العزل خمس: .. الثالثة: الخوف من كثرة الحرج بسبب كثرة الأولاد، والاحتراز من الحاجة إلى التعب في الكَسْب ودخول مداخل السوء، وهذا أيضًا غير منهيّ عنه؛ فإنَّ قِلة الحرج معين على الدين، نعم؛ الكمال والفضل في التوكّل والثقة بضمان الله حيث قال: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا﴾ [هود: 6]لا شك أنه سقوط عن قمة الكمال وترك الأفضل، لكن بالنظر إلى العواقب وحفظ المال وادخاره، مع أنه يخالف التوكل على الله، فلا نقول بتحريمه.
“العزل” كان يمارسه عدد من الصحابة رضوان الله عليهم في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حديث ينهى عنه، قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: “كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فبلغ ذلك نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلم ينهنا” متفق عليه، واللفظ لمسلم.
“ولو كان العزل محرماً لنهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك، قال الإمام ابن حجر العسقلاني في “فتح الباري” (9/306، ط دار المعرفة، بيروت):” [فكأنه يقول: فعلناه في زمن التشريع، ولو كان حرامًا لم نقرّ عليه] أوه.
وقد اتفق جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية على جواز الخلوة بإذن الزوجة ورضاها، وهو مذهب الشافعية، ويجوز للضرورة عند الحنابلة.
ويقول الإمام الكاساني الحنفي في “بدائع الصناع في ترطيب الشرائع” (2/334 طبعة دار الكتب العلمية): [وإن كان العزل برضاها لا يكره؛ لأنها رضيت بفوات حقها] أوه.
يقول الإمام ابن عبد البر القرطبي المالكي في “الكافي في فقه أهل المدينة” (2/563، نشر مكتبة الرياض الحديثة – الرياض): [وليس له أن يعزل عن المرأة إلا بإذنها] أوه.
“ويقول الشيخ سليمان الجمال الشافعي في “حاشية الجمل على شرح المنهج” (4/447، ط دار الفكر):” [ويحرم ما يقطع الـحَبَل من أصله. أما ما يبطئ الـحَبَل مدة ولا يقطعه من أصله فلا يحرم كما هو ظاهر، بل إن كان لعذر؛ كتربية ولد لم يكره أيضًا] أوه.
وقال الإمام ابن قدامة المقدسي الحنبلي في “المغني” (7/ 298 طبعة مكتبة القاهرة): [ولأن لها في الولد حقًا، وعليها في العزل ضرر، فلم يجزْ إلا بإذنها] أوه.
“وقد أجاز الحنفية للزوج أن يعتزل زوجته ولو بغير رضاها متى خاف على ولده سوءاً، قال الإمام ابن عابدين الحنفي في “رد المحتار على الدر المختار” (3/176، ط دار الفكر، بيروت):” [إن خاف من الولد السوء في الحرة يسعه العزل بغير رضاها لفساد الزمان، فليعتبر مثله من الأعذار مسقطًا لإذنها] أوه.
وبعد هذا التفصيل يتبين لنا أن الدعوة إلى تنظيم النسل لا تتعارض مع دعوة الشريعة إلى التكاثر، بل إن تنظيم النسل وسيلة لإنتاج أجيال تأخذ حقها في الرعاية الشاملة، وتحظى بالاهتمام الكافي الذي يؤهلها لتحمل المسؤولية. وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم في الأمم» رواه أبو داود. والمراد به: شعب مؤمن صالح قوي منتج متقدم. والنبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يفتخر بشعب ضعيف متخلف في مختلف مناحي الحياة، لأنه إذا تجاوز ذلك فإنه سيكون أغلبية ضعيفة لا قيمة لها ولا فائدة، وستصبح تلك الأغلبية التي قال عنها النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «يوشك الأمم أن تدعوكم من كل أفق كما تدع الأكلة قصعتها». قال: قلنا: يا رسول الله، ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: «أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل» رواه أحمد، يعني أكثرية ضعيفة لا قيمة لها، لا تضر عدواً، ولا تنفع صديقاً.
وجاء في كتاب “نظرة الإسلام إلى تنظيم النسل” لمحمد سلام مدكور (ص 66-67، طبعة دار النهضة العربية): [الكثرة منشودة لذاتها أم لما يترتب عليها من صالح الأسرة ومصلحة المجتمع والشعب؟ فالتناسل متحققٌ مع التقليل منه، والكثرة مطلوبة إذا اقتضتها مصلحة، وأمكن التحكم في توجيهها توجيهًا نافعًا، والقيام بأعبائها دون حرج ولا ضيق، والقليل النافع خير من الكثرة المهملة التي تترك دون تقويم وإعداد] أوه.
وبناء على ما تقدم وفي حالة السؤال: فإن تنظيم النسل جائز شرعاً بشرط موافقة الزوجين عليه، استناداً إلى جواز العزل في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا لا يتعارض مع دعوة الإسلام إلى الإنجاب.
للمزيد : تابعنا هنا ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر .
مصدر المعلومات والصور: youm7
اكتشاف المزيد من رأي الأمة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.