المفتى: علينا تحصين شبابنا من سيل الحداثة وما تحمله من مضامين

وقدم تعازيه للشعب الفلسطيني وشبابه الأبي الصامد في وجه الآلة الصهيونية المتغطرسة.
شارك فضيلة الدكتور نذير عياد مفتي الجمهورية في فعاليات مبادرة مجلس الشباب العربي للتنمية المتكاملة.. الشباب العربي حارس التاريخ والهوية، تحت شعار: “القدس عربية”، المنعقدة بمقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بالقاهرة، خلال الفترة من 12 إلى 14 أغسطس 2024م، بحضور عدد من الشخصيات والمؤسسات من داخل مصر وخارجها.
واستهل مفتي الجمهورية كلمته بتقديم خالص تعازيه لشعب فلسطين الأبي الصامد في وجه الآلة الصهيونية المتعجرفة الماكرة التي لا تحترم ديناً ولا قانوناً ولا أعرافاً، وأكدت المؤسسات الدينية وعلى رأسها الأزهر الشريف أن هذا العمل الإجرامي الغادر الذي استهدف المدنيين الأبرياء الواقفين بين يدي الله في صلاة الفجر مع نسائهم وأطفالهم وشيوخهم جريمة لا يمكن التعبير عن قسوتها وبشاعتها وهمجيتها باللغات البشرية، وهي خالية من كل معاني الرحمة والإنسانية، كيف لا وقد تمادى هذا العدو في قتل الضعفاء والأبرياء وتجويعهم وإتقان تفجير منازلهم وتفجير ملاجئهم على مرأى ومسمع المجتمع الدولي الذي أصبح مشلولاً عاجزاً عن الوقوف في وجه إرهاب هذا الكيان الغاشم وأعوانه. إن الأزهر الشريف إذ يدين هذا الهجوم الإرهابي الإجرامي، فإنه يترحم على شهداء هذه المجزرة، ويتقدم بخالص العزاء لأسرهم، ويدعو أحرار العالم إلى مواصلة الضغط على هذا الكيان الإرهابي بكل الوسائل لوقف جرائمه وأعمال الإبادة التي يمارسها يومياً بحق أصحاب الأرض في فلسطين، ويدعو الجميع إلى أن يعلموا أن التاريخ لن يرحم المتقاعسين والساكتين عن هذه الجرائم البشعة.
وأضاف عياد أن هذا اللقاء يأتي بدعوة واعية من “مجلس الشباب العربي للتنمية المتكاملة” حول “الشباب العربي ودوره في حراسة التاريخ والهوية”، وهو موضوع مهم يأتي في ظل عالم مشحون بالصراعات الفكرية والاستقطاب الشديد والمحاولات اليائسة لتدمير الدول والشعوب بأساليب مختلفة تستهدف المادة الصلبة للأمة وهي الشباب، وتسعى لقطع الشباب عن تاريخهم بدعاوى كاذبة، والتاريخ مكون قوي من مكونات الهوية والشخصية الوطنية، مشيراً إلى أهمية عقد هذا اللقاء الضروري لجمع الشباب حول رؤية واحدة، وتنويرهم بما يخطط لهم، والأخذ بأيديهم إلى ما يجب عليهم، وتوضيح حق التاريخ والتراث على الشباب، ومكانة التاريخ والتراث في حياة الشباب.
وأوضح الدكتور نذير عياد أن الواقع الذي نعيشه يتطلب منا حماية شبابنا من الطوفان القادم إلينا تارة باسم العولمة وتداعياتها وتارة باسم الحداثة وما تحمله من اغتراب مما خلق مساحات واسعة وفجوات عميقة بين الواقع المتجدد والتاريخ المشرق الذي يحمل ملامح شخصيتنا وهويتنا، مؤكداً أنه إذا كانت لكل أمة ثروة تعتز بها ورصيد تدخره لمستقبلها وقوة تبني عليها مجدها ونهضتها فإن في مقدمة هذه الثروة الشباب وهم الركيزة الأساسية في المجتمع والثروة الحية الحقيقية فيه والأمل الذي تسعى إليه دائماً، ومن مظاهر الحضارة والتقدم بين الأمم أن تهتم بالشباب وتعد لهم ما يجعلهم رجالاً قادرين أقوياء تبنى على سواعدهم الأوطان.
وأشار إلى أن الإسلام جاء بمنهج شامل وكامل يرفع من قيمة الشباب، ويعمل على تثقيف نفوسهم، وإرشاد قلوبهم وأفكارهم ومشاعرهم، ووصف الله أهل الإيمان الذين لجأوا إلى الكهف بقوله: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ فَزَدَنَاهُمْ هُدًى}، ورغم صفاتهم الكثيرة من الصبر والثبات والتحمل والتحية والعطاء، إلا أن القرآن خصهم بـ «الشباب»، فجمع بذلك بين قوة الشباب واستعدادهم للعمل والعطاء والإيمان الذي يحميهم من ظلمات الجهل والضلال. وقد أحاط النبي صلى الله عليه وسلم بالصحابة الشباب الذين حملوا نور الوحي إلى العالم، وكثيراً ما أوكل إليهم صلى الله عليه وسلم عدداً من المهام المهمة؛ فكان الصحابي الجليل مصعب بن عمير أول سفير للإسلام في المدينة المنورة، يعلم أهلها. وكان الصحابي الجليل أسامة بن زيد قائد جيش، ولم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره، رضي الله عن الصحابة أجمعين، وكان زيد بن ثابت هو المترجم الذي يقرأ لغة اليهود، وغير ذلك مما يعكس بصيرة القائد في توظيف قدرات من حوله، موضحاً أن الإسلام راعى في تشريعاته الطاقات والقوى الكامنة في الشباب، ووضع الوسائل التي تعينهم على استغلال تلك الطاقة في الخير والبر، وفيما ينفعهم في أنفسهم وبلادهم، وما ينفعهم في الدنيا والآخرة. وهذا ما قدمه الإسلام ورسوله حين جعل أركان الدولة تقوم على أكتاف الشباب وجهودهم، علماءً ودعاة وأمراءً وزعماءً، تحدثت كتب التاريخ عن آثارهم.
أكد الدكتور نذير عياد أن العقود الأخيرة من القرن العشرين شهدت اهتماماً متزايداً بعلوم الحضارة العربية الإسلامية، سواء من جانب العلماء العرب والمسلمين أو من جانب المستشرقين ومؤرخي العلوم الغربيين، ورغم ذلك لا يزال البعض يتساءل أحياناً عن جدوى البحث في التاريخ، وينظرون إلى كتب التاريخ على أنها ماضي لا قيمة له في حاضرنا، ويتساءلون في دهشة بعد أن ألهتهم الحضارة المعاصرة بأدواتها، ويتساءلون: ما فائدة رصد ما كتب عن تاريخ الأمة، وتحليل تعبيراته، وتوضيح خفاياه؟ إن هذه الأسئلة تشير ـ للأسف ـ إلى علاقة أشبه بالقطيعة بين البعض والتاريخ، أو بين الحاضر والماضي، وخاصة بين الجيل الجديد من الشباب الذين تشبعوا بالحضارة الغربية ومعارفها، وأفاقوا على ما قدمته من إنجازات تقنية وعلمية وتكنولوجية أبهرت العالم، وغيرت نظرته وتفكيره ومسار حياته، وجعلته يقتدي بها، في وقت يحظى فيه تاريخنا وهويتنا باهتمام كبير من قبل المنظمات الدولية التي تدرك قيمته ودوره في الحفاظ على الهوية والخصوصية الثقافية للأمم والشعوب. وهذا الموقف المختلف هو دعوة للجميع أفراداً ومؤسسات للعمل على سد هذه الفجوة، ومواجهة خطرها، والحد من آثارها على نفوس الشباب الذين إذا انقطعوا عن تاريخهم وماضيهم فلا مستقبل لهم! وأوضح أنه يجب أن نعمل معاً على مسارين لا غنى عنهما، الأول: خارجي، يتعلق برصد هذه المحاولات الخبيثة التي تسعى إلى إحداث شرخ بين الشباب وهويتهم وتاريخهم، والثاني: داخلي، يتعلق بالمتضررين من هذه الدعوات الكاذبة، التي تعمل على تسطيح قضايا الأمة الكبرى، وتمييع المفاهيم ـ إن صح التعبير ـ أو إغراء الشباب باندفاعات عاطفية غير منضبطة تؤدي إلى تدمير وتصدع بنية المجتمع التي يجب أن تظل متماسكة لضمان قوتها! ولذلك كان لا بد للمؤسسات المعنية والحكومات الواعية من اعتماد العمل المنظم القائم على إحياء التاريخ وتأكيد الهوية في نفوس الشباب، والعمل على تطوير برامج ذات أهداف واضحة، وأساليب متنوعة، وإبداعية وجذابة، بعيدة عن الخطابات المملة الصماء التي لا تكاد تمس قلباً أو تحرك شعوراً.
وأوضح أنه في ظل هذا الغزو الفكري الذي يستهدف شباب الأمة، فإن هذه البرامج المنشودة لابد أن تجمع بين التلقي المعرفي والحوار الإقناعي، وأن تتضمن التصحيح السلوكي في التربية الإيمانية، وأن تجمع بين الأسس العلمية القائمة على علوم التراث والعلوم المعاصرة التي تمكنهم من استخدام الأدوات الحديثة من مواقع الاتصال وأساليب الإقناع والتأثير. وهذه المهمة في هذا الوصف ليست خاصة بالدعاة والمشايخ وحدهم، بل لابد أن تتعاون فيها كل المؤسسات المعنية، بل هي مسؤولية كل مسلم حسب قدرته وإمكاناته. وأشار إلى أن ما يعتقده البعض من أن التراث الإسلامي لا يناسب الإنسان في حياته المتجددة، ولا يعالج مشكلاته الراهنة، ولا يواكب وعيه المعاصر، ولا يدور حول فكره المتطور، خطأ كبير، فلا يمكن فهم الحياة المعاصرة إلا بالجمع بين أمرين: الأول ضرورة هضم التراث جيداً، والتعرف على التراث بشكل صحيح، وفهمه بشكل صحيح، حتى نتمكن من التواصل البناء مع منابع ثقافتنا وروافدها. إن الارتباط بالجذور قضية مؤثرة في ثبات هوية الشباب في مواجهة الغزو الثقافي الذي يتعرضون له في كل وقت، والثاني: معاصرة الواقع الراهن ومواكبة التطور العلمي والمعرفي، لذا يتوجب علينا جميعاً إعداد الشباب وتوجيههم للتعامل مع مكونات التراث بما يمكنهم من التواصل الفعال مع منجزاته ومواكبة العصر، حتى لا يتخلفوا عن ركبه الحضاري.
للمزيد : تابعنا هنا ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر .
مصدر المعلومات والصور: youm7
اكتشاف المزيد من رأي الأمة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.