المهرجان القومي .. والقطاع الخاص
إن فلسفة إقامة المهرجان القومي للمسرح تقوم على إقامة بانوراما سنوية كاملة للمسرح المصري تمثل قطاعاته وخلفياته الإنتاجية المتنوعة، بعيداً عن المعارك التنافسية ولجان التحكيم، بل يعتبر المهرجان القومي نتاجاً لحركة مسرحية سنوية، حركة مستمرة بكل أطيافها وخلفياتها الإنتاجية والفكرية المتنوعة، سواء مسرح الدولة، أو المسرح المستقل، أو مسرح الثقافة الشعبية، أو مسرح الجامعة، ثم الشركات والبنوك والقطاع الخاص. وفي ذكر النوع الأخير نجد أمامنا حياة مسرحية كاملة، وماضٍ حافل بالذكريات، ومستقبل غامض بالآمال!
لم يخطئ القائمون على مهرجان المسرح القومي، وعلى رأسهم الفنان محمد رياض، حين قرروا الاحتفاء بمبدعي القطاع الخاص، حيث احتفى المهرجان القومي في هذه الدورة، كما احتفى في دورته السابقة، بنجوم هذا المجال الذي انتهى سريرياً، حيث أهدى المهرجان دورته العام الماضي للزعيم عادل إمام، ويحتفل هذا العام ببعض نجومه الذين شاركوا في صناعة حركة فنية كبرى منذ زمن بعيد، ومنهم أحمد آدم، وأحمد بدير، والمنتج أحمد الإبياري، والفنان أسامة عباس، كما أقام المهرجان ندوة خاصة مع الفنان محمد صبحي، تحدث فيها عن مسيرته المسرحية وكيف خدمت أعماله السينمائية عروضه المسرحية المتنوعة، بدءاً من "انتهى الدرس أيها الأحمق."وكأن المهرجان القومي يشير بأصابع الاتهام إلى ضرورة إحياء هذا المسرح من جديد؛ هذا النوع الذي شهد دائماً حركة مسرحية غير متكررة في القاهرة والإسكندرية في فصلي الشتاء والصيف؛ حيث كانت المسارح تكتظ بالعروض والنجوم والجمهور الذي احتار بين الاختيار بين نجم وآخر؛ منافسة شرسة وحقيقية خلقها القطاع الخاص على عدة مستويات، أولها السباق على جذب الجمهور ثم التنوع في خلق أشكال وأنماط الضحك والكوميديا.
كان لكل نجم مدرسته في تقديم نوع الكوميديا الذي يشبهه أكثر، سواء في ملامحه الجسدية أو قدراته البدنية التي كان يستغلها عادة في خلق أنواع مختلفة من الكوميديا في أعماله المسرحية، ولعل أبرز هؤلاء الفنان محمد صبحي الذي رغم تقدمه في السن لا يزال قادرا على الحفاظ على لياقته البدنية وقدرته على اللعب بجسده بمرونة ورشاقة، وهذا ما يدعم قوله إنه كان يتمنى أن يكون راقص باليه! ومن أبرز أعماله التي استغل فيها لياقته البدنية بشكل كبير شخصية "العم ايوب" الذي تحدث عنه خلال ندوته بالمهرجان والتي أدارها الإعلامي جمال عبد الناصر.. وقال صبحي بشيء من الفكاهة إن هذه الشخصية استوحاها من زوج خالته الذي يشبه أيوب في بطئ حركته وعدم إدراكه لمن حوله؛ ففي العم أيوب لعب بتقنية حركية معقدة وصعبة للغاية في المسرحية "الجوكر" ثم تكررت هذه اللياقة البدنية مع"ببغاء" وبطبيعة الحال، بدأت شهرته في "انتهى الدرس أيها الأحمق." مع أداء صوتي وجسدي لطفل متخلف عقليًا، ومن أعماله أيضًا: "قرية"؛ "المتوحش"؛ "وجهة نظر"؛ "باللغة العربية الفصحى"؛ "هراء"؛ "لعبة السيدة"؛ "كارمن"؛ "خيبة أملنا"؛ "مسار السلامة"؛ "النحلة والدبور"؛ "النجوم الخلفية"؛ "انا وهم"؛ "علي بك مظهر"؛ "وانيس وأيامه"؛ "عائلة محظورة"تعتبر تجربة صبحي ولينين الرملي تجربة مميزة للغاية في صناعة المسرح والكوميديا، سواء من حيث القدرة على جذب جمهور الطبقة المتوسطة، وهو ما ركز عليه الثنائي بكل صدق واجتهاد، فلم يكن من الصعب الحصول على تذكرة لحضور عروض صبحي ولينين الرملي، الثنائي الأشهر في القطاع الخاص، بعد أن أسسا فرقة ستوديو 80، التي استمرت لمدة ثلاثة عشر عاماً.
بينما جاءت تجربة الزعيم عادل إمام في شكل مختلف، حيث اعتمدت بشكل كبير على خلق نوع آخر من القطاع الخاص، نوع يعتمد على خلق مسرح الفرح والكوميديا والسياحية؛ إلا أن إمام لم يتخل عن أكبر همه فيه."مواطن مصري" الذي جسده بأساليب مختلفة وأشكال متنوعة سواء في عروضه المسرحية أو أعماله السينمائية، حتى قال عنه الأديب الراحل نجيب محفوظ: "الشارع لا يختار إلا من ينجح في ضبط خيوطه على أفراحه وأحزانه، وهذا ما فعله عادل إمام."قدم عادل إمام سبعة عشر مسرحية في القطاع الخاص، وتدرج فيها حتى أصبح زعيم هذا النوع بلا منازع، وكانت أولى هذه المسرحيات مسرحية “المسرح الصامت” و”المسرح الصامت”. "ثورة القرية"؛ "أنا وهو وهي"؛ "قصر الأحلام"؛ "أين أنا وأين أنت؟"؛ "حالة حب"؛ "المحتالون"؛ "شمال واحد"؛ "بيجامة حمراء"؛ "سري للغاية للغاية"؛ "قصص حب عفيفي"؛ "مشاركة وقت النوم"؛ "قصة الحي الغربي؛ ثم تأتي مرحلة النجومية "مدرسة المشاغبين"؛ "لم يرى شيئا"؛ "الولد هو أفضل عامل"؛ "الزعيم"حارس شخصي".
وتشير تجربة المنتج أحمد الإبياري أيضاً إلى أسلوب وتجربة أخرى مهمة يقوم عمودها على الضحك من أجل الضحك والكوميديا الفارسية، فقد استمر الإبياري في النضال والإنتاج حتى العام الماضي، ورغم الركود الذي أصاب هذا النوع من المسرح، إلا أن هذا الرجل ظل صامداً حتى النهاية، وقد قدم الإبياري والنجم سمير غانم ثنائياً فنياً استمر حتى رحيل الأخير، ومن أعماله في مجال الكتابة والإنتاج: "عش مجنون"؛ "مكنسة"؛ "خذ المال وهرب"؛ "الرجل المخيف"؛ "أعطي وخذ"؛ "المظلة"؛ "أنا وزوجتي ومونيكا"؛ "الجيش الأخضر"؛ "الله يحفظ الجمعة"؛ "مرحباً بك، مستشاري"؛ "دوري هو الفاصوليا"؛ "زوجة واحدة لا تكفي"؛ "العالم مقلوب رأسا على عقب"؛ "ويبدو أنهم سرقوا عبده."؛ "زوجتي زعيمة عصابة"؛ "الزهرة عندما تلعب"؛ "دعني اغني"؛ "لقد أحضر الأب الموز".
النجم الكوميدي أحمد آدم كان ضمن تجربة المنتج أحمد الإبياري، حيث كرمه المهرجان أيضًا مع النجم أحمد بدير، رغم اختلاف أسلوبيهما في خلق الضحك، فأحمد آدم يتمتع بشخصية كرتونية لا تخلو من روح الكرتون، حيث يجسد أنواعًا من الشخصيات بأداء صوتي مبالغ فيه وحركات جسدية، مثل: "جابر القرموطي" وشخصية الخادم في "المتوحش"أما الفنان أحمد بدير فقد اعتمد بشكل أساسي على تقديم النكات بطريقته الخاصة، ومن أعماله المسرحية للقطاع الخاص قدم أحمد آدم عروضاً… "جودة الكرامة"؛ "الله يحفظ الجمعة"؛ "انا احبك يا مجرم"؛ "برهومة وكلاهما برماه"؛ "ويبدو أنهم سرقوا عبده."؛ "الارهابي عطية"؛ "أنت حر"؛ "مرحباً بك، مستشاري"؛ "جرافة"؛ "المهتزة"بينما قدم بدير مسرحيات "رايا وسكينة"؛ "بكالوريوس الحوكمة"؛ "لقد وصل الصعيديون"؛ "الجوز واللوز"؛ "معاش الحلم"؛ "الدور الرابع الشقة التاسعة"؛ "مرسي يريد كرسي"؛ "أزعجنا".
كما كرم المهرجان النجم أسامة عباس الذي شكل جزءاً من تاريخ حركة مسرحية أقدم من زملائه، وبهذا التكريم كشف المهرجان عن مسيرته المسرحية التي بدأها بمسرحية أضواء المسرح الثلاثة بمسرحية "طبخ الملائكة"ثم استمر عمله معهم، وشارك بعد ذلك في عروض أخرى، منها: "الكوماندوز"؛ "حارة النساء"؛ "النساء العالمات"؛ "أنت من قتل عليوة"؛ "كل شخص لديه شيطانه الخاص"؛ "فندق العمل الشاق"؛ "جوليو وروميت"؛ "فندق ثري ليف"؛ "رجل لا يشبه أي رجل آخر"؛ "مزرعة الحيوانات"؛ "أطيب التحيات"؛ "اللص واللص"؛ "اعتني برأسك"؛ "لا أريد الإساءة إليك يا منيم."؛ "أيها الناس، افهموا."؛ "الساحرة"؛ "حكمت هانم ألماظ"؛ "قرضي عاد".
كانت هذه لمحة سريعة عن مسيرة هؤلاء النجوم في مسرح القطاع الخاص الذي خلق في عصره حركة مسرحية ضخمة لا يتسع المقام لذكر تفاصيلها، في حين استحقت هذه الحركة الفنية كل الثناء والتقدير، سواء اتفقت أو اختلفت مع بعض أشكال الإنتاج في ذلك الوقت، وحاول القطاع الخاص العودة خلال السنوات القليلة الماضية في تجارب فردية مثل تجربة الفنان أشرف عبد الباقي ومسرح مصر وما تلاها من تجارب متنوعة لا تشبهه في الشكل الفني."الجريمة في المعادي"؛ و"الفندق"؛ "صباح الخير"؛ ثم "معرض القاهرة" الذي اعتمد على تقديم أعمال إنتاجية عالية التكلفة واعتمد فيها على الإبهار أكثر مثل: "علاء الدين" و"هناك الكثير في الحقيبة"؛ "الملك لير"ثم محاولات المنتج أحمد الإبياري للاستمرار مع "الزهرة عندما تلعب" مع سمير غانم ومؤخرا "كازينو باديا"ثم جاءت تجربة المنتج أحمد محمد السبكي مع دنيا سمير غانم في "لقد جعلتنا سعداء" إخراج خالد جلال؛ ثم "تشارلي شابلن" إخراج أحمد البوهي؛ والتجربة "أمين وشركاه" للفنان أحمد أمين.
لم تستطع هذه التجارب أن تستمر رغم تنوعها الفني، ولعل الوحيد الذي بقي قادراً على الإنتاج والنضال من أجل البقاء هو الفنان محمد صبحي، وذلك لمواصفات إنتاجية خاصة لمسرحه لم يستطع غيره أن يلتزم بها، فضلاً عن امتلاكه لمسرح في مدينة سنبل. ورغم هذا يظل الجميع في حالة ترقب لعودة السوق من جديد، وهذه العودة مشروطة بضرورة تعاون الدولة لدعم نهضة القطاع الخاص بتوفير التسهيلات لهؤلاء المنتجين التي تضمن لهم العمل في بيئة مناسبة للإنتاج والإبداع الفني!
للمزيد : تابعنا هنا ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر .