بعد غياب دام عشر سنوات مهرجان المسرح الخليجي يحتفي بعودته على أرض الرياض للمرة الأولى
ارتبطت المملكة العربية السعودية بصورة ذهنية نمطية في التفاعل مع الفنون بشكل عام ومكانة المرأة داخل تلك الفنون بشكل خاص، وفي السنوات الأخيرة كسرت المملكة هذه الصورة النمطية وفتحت لنفسها أفقاً جديداً في التفاعل مع الفن وتحطيم جدار العزل بين الفن والممارسة النسائية على المسرح.. لذلك رحبت المملكة هذا العام باستضافة الدورة الرابعة عشرة لمهرجان المسرح الخليجي الذي أقيم قبل عشر سنوات في كل من دول مجلس التعاون الخليجي وهي السعودية؛ والبحرين؛ وقطر؛ والكويت؛ وسلطنة عمان؛ والإمارات؛ ثم توقف المهرجان لمدة عشر سنوات كاملة، فعودته هذه المرة هي مع انفتاح المملكة على الفنون وترحيبها بتنظيم وإقامة المهرجانات على أرضها.
توحدت دول الخليج مع بعضها كاتحاد أوروبي .. حيث اتخذت من بنية الاتحاد الأوروبي شكلاً ونموذجاً في تشكيل اتحاد فني في المسرح بعنوان لقاء الهوية ؛ ونظمت هذه الدول مجلس تعاون خليجي لتبادل إقامة فعاليات هذا المهرجان الفني كل عامين في دولة مختلفة ؛ حيث اتخذت من عمق التقارب والهوية والبيئة المحيطة طريقاً لتشكيل كيان فني مميز يختلف عن السائد في مهرجانات الوطن العربي ؛ انطلقت الدورة الأولى من هذا المهرجان الاستثنائي من دولة الكويت عام 1984 م وكان الهدف الأساسي منه جمع دول الخليج لتقديم أعمال مسرحية متنوعة فيما بينها نظراً للخلفيات الثقافية والعقلية التي تجمع هذه الدول ؛ واستمرت فعاليات المهرجان بين الدول الأعضاء باستثناء المملكة العربية السعودية آنذاك نظراً للنهج الذي اتبعته المملكة آنذاك والذي حدد الشكل الذي تقدم به الأعمال المسرحية في إطار ضيق ومحدود جداً ؛ وعندما اتسعت الرؤية وانفتحت المملكة على كافة أشكال وأنواع الفنون، وخاصة المسرح، بدأت في منح المرأة مساحات للمشاركة وممارسة الفن جنباً إلى جنب مع الرجل. ومن هنا انطلقت فعاليات الدورة الرابعة عشرة في أحضان مدينة الرياض على مسرح جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن بقيادة صاحب السمو الأمير بدر الدين بن عبد الله بن فرحان وزير الثقافة السعودي ومدير المهرجان خالد الباز؛ ورئيس اللجنة الدائمة للفرق المسرحية الأهلية بمجلس التعاون الخليجي خالد الرويعي. وشاركت في فعاليات المهرجان ست دول تنافست على إحدى عشرة جائزة هي: قطر؛ الكويت؛ سلطنة عمان؛ الإمارات؛ السعودية؛ والبحرين. ومن بين هذه العروض المشاركة: "بحر" من المملكة العربية السعودية؛ "أراك" الإمارات العربية المتحدة؛ "الخيمة" قطر؛ "الرعب" سلطنة عمان؛ "على الجانب الآخر" البحرين؛ "كتلة في الحلق" الكويت؛ وضمت لجنة تحكيم المهرجان الدكتور أيمن الشيوي من مصر رئيساً، وسهى سالم من العراق، وجاسم الأنصاري من قطر، ويوسف البلشي من سلطنة عمان، وإبراهيم سالم من الإمارات، ومروة الأطرش من سوريا، ونايف البقمي من السعودية.
وقد تقاسمت هذه العروض تناول موضوعات ذات طابع محلي أقرب إلى التعبير عن البيئة التي جاءت منها وتعقيداتها الشائكة، حتى أن أغلبها استخدم اللهجة المحلية لبلده، الأمر الذي جعل من الصعب على ضيوف المهرجان التواصل مع بعضهم البعض، وبالتالي فإن نوع اللهجة واللغة المستخدمة في عرض قضية العمل الفني شكلت عائقاً كبيراً في التواصل معه، فضلاً عن أسلوب وطريقة الإلقاء بإيقاع سريع لاهث؛ مثل العروض التي قدمتها الفنانة اللبنانية نانسي عجرم. "بحر"؛ "الرعب"؛ "أراك"؛ و"الخيمة" في حين أنه انفصل عن هذا النموذج وابتعد عن التراث المحلي، فقد أظهر "كتلة في الحلق" ولعل هذا العمل الذي كتبته تغريد الداود وأخرجه محمد خالد الأنصاري تفوق في عناصره الفنية واستحق الحصول على جائزة أفضل عرض مسرحي في هذه الدورة لجودة ما أظهره في أكثر من عنصر فني، أولها كتابة النص الذي تناول قضية إنسانية بعيدة عن السياق العام الذي اتبعته عروض المهرجان من حيث الانشغال بالانغماس في قضايا وثيقة الصلة بالبيئة التراثية المحلية التي جاء منها؛ "كتلة في الحلق" تناول العرض قصة مجموعة من الأفراد من خلفيات اجتماعية مختلفة وقعوا في فخ الجسر، مما جعل عبورهم إلى الجانب الآخر أو العودة إلى المكان الذي أتوا منه مستحيلاً، وبين محاولات النجاة وعرض حالة كل فرد على هذا الجسر الشائك، يظهر رجل يزعج هؤلاء الأشخاص وينشر الذعر والخوف في قلوبهم عندما يقرر التخلص من الحمل الزائد على هذا الجسر برمي ابن المرأة الفقيرة التي ضلت طريقها في الحياة حتى قررت في النهاية الانتحار لإنقاذ ابنها، وبين المآسي الإنسانية وقيم التضحية في مواجهة محتال، قدم هذا العمل الفني قضيته، فقد أبدع في عناصر الديكور والتمثيل بشكل خاص، وخاصة البطل عبدالله التركماني الذي جسد شخصية هذا المحتال الذي جاء إليهم فجأة بين الجدية والفكاهة والسخرية والحمق، وقد اتخذ التركماني هذه المشاعر المتضاربة وسيلة لرسم شخصية هذا الرجل الذي يشبه "مع الجوكر" شخصية ثرية درامية نال من خلالها جائزة أفضل ممثل مساعد، إضافة إلى سعي الكاتبة تغريد الداود للخروج عن النمط السائد في عروض المهرجان وتقديم عمل إنساني أظهرت فيه مهاراتها التي حملت أبعاداً أخرى تتجاوز مجرد إظهار أشكال العيش وتنوعها في بلدان مختلفة، رغم تنوع وتعدد الهويات المشاركة. وقد تميزت أغلب عروض المهرجان بعناصر السينوغرافيا والحركة والتشكيلات البصرية، إلى درجة أن بعضها أعطى العناصر البصرية أهمية قصوى، وطغت أحياناً على أداء الممثلين، وهو ما أشارت إليه لجنة تحكيم المهرجان في توصياتها، برئاسة الفنان أيمن الشيوي، الذي أذاع تلك التوصيات في حفل الختام الذي تضمن…" ضرورة الاهتمام بمدى تقارب العروض المشاركة في مستواها الفني وضرورة دعم تنظيم الورش الفنية في مختلف عناصر العرض المسرحي وأبرزها التمثيل والإخراج؛ حيث اتضح أن بعض العروض تميزت باستخدام عناصر الإبهار للعرض المسرحي، إلا أن اللجنة رأت أنه كان هناك أحياناً ارتباك واستخدام مبالغ فيه للتقنيات البصرية في الأعمال المسرحية.".
للمزيد : تابعنا هنا ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر .
اكتشاف المزيد من رأي الأمة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.