فن ومشاهير

بين السطور .. من صرخة "آل باتشينو" إلى صمت أحمد فهمي

القاهرة: «رأي الأمة»

في إحدى المقابلات مع الممثل الراحل نور الشريف، تحدث عن الفارق الكبير بين الممثل الذي يلجأ إلى البكاء والنحيب للتأثير على المشاهد، وبين نوع آخر من التمثيل يفضله الشريف، والذي يعتمد على السيطرة والتحريك. حصر العواطف، لتصبح كالقنبلة الموقوتة التي ينتظرها المتفرج للخروج من صمته والتفاعل معها، حتى لو كانت تحتويها الدموع في عينيه.

وضرب الشريف مثالاً على مشهد الصرخة الصامتة الذي أصدره آل باتشينو في الجزء الثالث من ثلاثية العراب. وعندما قُتلت ابنته بين يديه أمام الكنيسة، قرر المخرج في تلك اللحظة أن يتعمد التخلي عن الصوت والموسيقى التصويرية حتى نتمكن من رؤية الوجه الحقيقي لمايكل كورليوني.

صرخة الندم التي أطلقها آل باتشينو كانت هي العاصفة التي جاءت بعد السكون الذي شهدناه في الجزأين الأول والثاني. اختفى وجه الشاب الحالم البريء لحظة دخوله الحمام باحثا عن المسدس الذي ينتقم به لمقتل أخيه ومحاولة اغتيال والده. ثم ظهر بقناع هادئ وهادئ يختبئ تحته مايكل العجوز ويشعر بالندم والأسى على ما أصبح عليه. وهذا ما يسمى الصراع الثابت.

الصراع الساكن هو من أصعب أنواع الصراع الدرامي، فالإنسان هادئ دائمًا وردود أفعاله طبيعية جدًا. يبدو أنه لا توجد عاصفة بداخله، لكن هذا السكون يخفي توترًا عميقًا.

إن القدرة على نقل هذا النوع من الصراع الذي لا يراه المشاهد بل يشعر به، تحتاج إلى مبدع يتمتع بقدرات تمثيلية عالية وتحت إشراف مخرج واعٍ، قادر على توجيه الممثل حول كيفية توجيه تلك الشحنة العاطفية التي تصنع يشعر المشاهد بالقلق الاستباقي والغموض بشأن أشياء لم تحدث بعد، وذلك لأن هناك هوساً لديه بتلك الأشياء العادية التي لم يرها.

وجسدت شخصية أحمد فهمي في مسلسل “بين السطور” هذا النوع من الصراع الذي أخذ شكل صراع الإنسان ضد نفسه في صورة ثابتة. حاتم عز الدين، رجل القانون والعاشق المثالي، يتمتع بشخصية قوية وحذر في تصرفاته، لكنه يظهر ضعفا في علاقته بزوجته الإعلامية هند. سالم (صبا مبارك)، وهذه نقطة الضعف التي بدأت منها أزمته.

تطور أحمد فهمي كثيراً منذ بداياته، وفي “بين السطور” ظهر بشكل مختلف تماماً، مستوي ومستقيم، وهنا يأتي دور المخرج وائل فرج الذي لعب دوراً كبيراً في توجيه الممثلين للحصول على منها ما لم يعتاد عليه الجمهور.

ويمكن تقسيم مسيرته الفنية إلى مرحلتين: الأولى شملت بداياته في السينما ومسلسل «ماما في القسم»، حيث اعتمد على موهبته وجاذبيته كمطرب في فرقة «واما». أما المرحلة الثانية فكانت الأكثر تحدياً وجرأة، عندما قرر فهمي الفصل بين دوره كمطرب وممثل. وفاجأ الجميع بأدائه المميز في مسلسل “الواعظ” في رمضان 2013، حيث جسد شخصية الشيخ حسن.

يحتوي المسلسل على مشاهد رائعة أبرزها مشهد جيمي وهند في غرفة الفندق حيث يتجدد حبهما القديم ولو للحظة أمام المشاهد. المشهد الآخر هو المواجهة بين حاتم وهند، حيث ينفجر كل ما تم إخفاؤه منذ الحلقات الأولى.

قوة هذه المشاهد جاءت من قوة حبكة الصراعات المتعددة للشخصيات، وأقصد هنا الصراعات غير المرئية التي تتحرك ببطء تحت السطح حتى تظهر في الوقت المناسب لتضيف بعدا جديدا من التعقيد والإثارة، وأظهرت لنا أن الصراعات الدرامية لا تقتصر فقط على الأحداث الكبرى، بل تكمن بشكل أساسي في التفاصيل الصغيرة والتفاعلات البسيطة التي تحدث بين الشخصيات.

ومن خلال الشخصية التي يجسدها أحمد فهمي نجد أنفسنا نتأمل عمق وتعقيد المشاعر الإنسانية، وكيف أن السكون الذي يظهر على السطح قد يكون مجرد غطاء لعواصف غير متوقعة تتجدد في أعماق النفس، يقرأها المشاهد “ما بين السطور.”

للمزيد : تابعنا هنا ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر .

مصدر المعلومات والصور: youm7

 


اكتشاف المزيد من رأي الأمة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من رأي الأمة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading