جمال عبد الناصر يكتب: حينما قابلت أمينة رزق واعترفت لي بقصص حب وخيانة
كان من حسن حظي وشرفي أن ألتقي بالفنانة الكبيرة الراحلة أمينة رزق على مسرح الطليعة عام 1999، كنت حينها خريجة جديدة من الجامعة، وكنت شغوفة بالفن والتمثيل والإخراج المسرحي، وكانت الأستاذة أمينة تقدم مسرحية “الأرنب الأسود” التي كتبها الكاتب الكبير عبدالله الطوخي وأخرجها مخرجنا الكبير عصام السيد، وأعتقد أنها كانت المسرحية قبل الأخيرة في حياة الفنانة الراحلة أمينة رزق على المسرح، لأنها قدمت بعد ذلك مسرحية “الليلة الثانية بعد الألف” على مسرح الهناجر، كما كان من حسن حظي أن أشاهد هذه المسرحية التي شاركها فيها سامي العدل وصفاء الطوخي وخليل مرسي، وأتذكر الشخصية التي لعبتها وهي “زاد الخير”.
-
أمينة رزق عملاقة على المسرح
أتذكر اليوم الذي شاهدته فيه لأول مرة في مسرح فانغارد، وقتها كنت أشارك في ورشة عمل مع المخرج الإيطالي بينو عن الكوميديا الفنية، وورشة عمل أخرى مع المخرج محمد الخولي عن الكوميديا وأنواعها، وكان ذلك في عهد إدارة المخرج محسن حلمي لمسرح فانغارد، وكان مهتمًا جدًا بالورش وكان يجلب لنا مخرجين مصريين وإيطاليين وأوروبيين وعرب، كما كنت أشارك كممثل في عرض بعنوان “الروح والجسد” من إخراج عادل سعيد، وفي نفس الوقت كنت أعمل في الصحافة محررًا في العديد من الصحف.
الفنانة أمينة رزق والكاتب والمخرج جمال عبد الناصر
رأيت أمينة رزق تنزل من التاكسي وثلاثة أشخاص يساندونها لمساعدتها في الذهاب إلى غرفتها في المسرح، لأنها كانت تأتي قبل العرض بساعتين، وكانت مسرحية “الأرنب الأسود” تعرض، وأدهشني ما رأيت، لأنني شعرت بمدى الصعوبات التي تواجهها هذه الفنانة في التحرك بالطريقة المحلية مثل “كان الأمر صعبًا بالنسبة لي” وقلت لنفسي إنها لابد وأن تلعب دور مريضة في العرض، لكن دهشتي زادت مرات عديدة بعد أن رأيتها في المسرح، لأنني رأيت وحشًا على المسرح وعملاقًا هائجًا يتجول، بمجرد ظهوره على المسرح يتحول، وتكرر هذا أيضًا بعد ثلاث سنوات في آخر أعمالها المسرحية “الليلة الثانية بعد الألف”، لكن أثناء عرض تلك المسرحية أقيم احتفال في مسرح الهناجر تكريمًا لتوفيق الحكيم، فعرضت عليه مسرحية “يا طالع الشجرة” بعد أربعين عامًا من عرضها الأول، وقدمها نفس المخرج الدكتور سعد أردش، في نوع من التحدي لنفسه في رؤية جديدة، أو قراءة جديدة، وهنا تقدم أمينة رزق شخصية الزوجة بأداء هادئ وهي على كرسي متحرك بسبب إصابة في ساقها، ويقف أمامها أحمد فؤاد سليم في دور الزوج، وطارق إسماعيل في دور المحقق، وعبدالله الشرقاوي في دور مفتش القطار، ومحمد درديري في دور الحفار، ومحمود عبد الغفار في دور الدرويش، وعبير مكاوي في دور الخادمة، تحقيقاً لحوار بين الأجيال.
-
أمينة رزق الحب والخيانة
أعود مرة أخرى إلى عام 1999 عندما دخلت السيدة أمينة رزق إلى غرفتي بعد أن استأذنت، دخلت وطلبت منها إجراء مقابلة صحفية، قدمت نفسي لها، وقلت لها إنني أحب الفن والتمثيل وأعمل في الصحافة، رحبت بي كثيراً وطلبت مني أن أشاهد العرض أولاً قبل إجراء المقابلة، وبالفعل حدث ما طلبته مني، وكانت هذه المقابلة من أمتع المقابلات التي أجريتها مع فنان، وأذكر من هذه المقابلة سؤالاً: لماذا لم تتزوج أمينة رزق؟ ومن كان حبها الأول والأخير؟
ما إن طرحت هذا السؤال على الفنانة الجميلة الراحلة أمينة رزق حتى ضحكت ضحكتها الشهيرة وقالت لي: أنت صحفية شقية (ضحكت أنا أيضا) ولكنها أجابت على سؤالي قائلة: أحببت ثلاث مرات. المرة الأولى كنت في الرابعة عشرة من عمري، وكان شابا من طبقة الأثرياء، فتركني وخطب غيري، وكانت صدمة كبيرة بالنسبة لي. ثم أحببت مرة أخرى، ولكن الشك كان سببا في ابتعادي عنه، فكان عذاب الحب والغيرة والخيانة سببا في ابتعادي عنه. أما الثالثة فكان وسيماً جدا، ورأيت فيه الوفاء، ولكنه خذلني، فقررت أن أعيش للفن وأحب الفن، والفن يحبني، وعشت مع فني أجمل لحظات الحب.
توفيت أمينة رزق في مثل هذا اليوم 24 أغسطس 2003، توفيت في المستشفى عن عمر ناهز 93 عامًا، بعد إصابتها بهبوط حاد في الدورة الدموية، بعد صراع مع المرض استمر شهرين. ورغم مرور أكثر من عشرين عامًا على رحيلها، إلا أنني أتذكر كل تفاصيل لقائي بها، وتمنيت أن ألتقط صورة معها، ولكن في تلك المرحلة لم تكن الهواتف المحمولة المزودة بكاميرات قد اخترعت بعد، ولم أستدع مصورًا لالتقاط صورة لي معها.
-
أمينة رزق الكوميدية
قدمت أمينة رزق نحو 300 مسرحية، وكان أول عمل مسرحي لها على مسرح “علي الكسار”، ثم انتقلت إلى مسرح “رمسيس”، حيث قدمت أول بطولة مسرحية لها في “راسبوتين”، وهي في الثانية عشرة من عمرها، وبعدها قدمت العديد من المسرحيات مع يوسف وهبي ومخرجين آخرين، منها مسرحيات: (كرسي الاعتراف، المائدة الخضراء، عطيل البخيل، بنات الريف) مع يوسف وهبي، كما قدمت أيضًا (موت كليوباترا) من إخراج فتوح نشاطي، و(بداية ونهاية) من إخراج عبد الرحيم الزرقاني في موسم 1959-1960، ولم تكن كل أدوارها في المسرح تراجيدية، لكنها قدمت أدوارًا كوميدية ونجحت فيها، وكلنا نتذكر دورها في مسرحية “إنها حقًا عائلة محترمة” التي عرضت عام 1979، مع فؤاد المهندس وشويكار.
أطلق الفنانون على “أمينة رزق” لقب “أم الفنانين” لأنها أشهر وأفضل الفنانات اللاتي جسدن دور “الأم”، سواء على المسرح أو على الشاشات الصغيرة والكبيرة؛ و”أمينة رزق” فنانة تحب المسرح قبل كل شيء، فقد عاشت في محرابه 78 عاماً، عمر مسيرتها الفنية، وبالمناسبة أسست شركة إنتاج فني، وأنتجت من خلالها العديد من الأعمال، وكانت واحدة من الشركاء الأربعة في شركة “اتحاد الفنانين”، وسافرت أمينة عام 1964 بمنحة للاطلاع على تطور الحركة الفنية، وعند عودتها عملت مساعدة مخرج لمدة عامين وأخرجت مسرحيتين في المسرح الشعبي، لكنها توقفت عن الإخراج لتتفرغ للتمثيل.
للمزيد : تابعنا هنا ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر .
مصدر المعلومات والصور: youm7