حسن السعدني يكتب: إيمان خُليف ضربة قاضية لمحاولات تأميم الأحلام العربية
“لا بأس أن تقاتل المرأة بأنوثة كل النساء، وأن تكسب معاركها بفحولة كل الرجال”. ولعل هذه الجملة العظيمة التي كتبتها الروائية الجزائرية أحلام مستغانمي في أحد روافدها الأدبية، هي أفضل تعبير عن انتصار مواطنتها إيمان خليف في معركتها الرياضية، على محاولات تأميم أحلامها في أولمبياد باريس 2024، وهو انتصار يتجاوز حدود الفوز بميدالية ـ باتت مضمونة للجزائر والعرب ـ ويصل إلى حد فضح النظرة العنصرية والتمييزية الأوروبية ضد كل ما هو عربي، وغياب التوازن في وزن الأشياء وقبولها حين لا تكون على هوى أصحاب العيون الملونة.
من المدهش أن أوروبا التي تدافع عن قضايا النوع الاجتماعي والحقوق الجنسية لم تقبل بوجود امرأة عربية حالمة في عالم تهيمن عليه الأفكار التقليدية، وتفرض فيه التحديات على المرأة بأشكال مختلفة. قارة بأكملها لم تقبل إقصاء امرأة عربية اختارت طريقا صعبا لتثبت للجميع أن الإرادة القوية والشجاعة قادرة على التغلب على أي عقبة. هذه المرأة التي تعاني من التمييز الجنسي والتنمر، قررت أن تصبح ملاكمة، في تحد ليس فقط لخصومها في الحلبة، بل وللمجتمع ككل.
إيمان خليفة ولدت امرأة وعاشت امرأة وحاربت امرأة وخاضت معاركها ضد الجميع، ومنذ صغرها كانت الرياضة شغفها، فلم تحلم بممارسة الرياضات التقليدية التي تعتبر “مناسبة” للفتيات، بل اختارت الملاكمة، وفي بداية مشوارها واجهت العديد من العقبات، فهُزمت عدة مرات وانتصرت عدة مرات، وقبلت إرادة الله في الحالتين بثقة الأبطال.
كان بإمكان إيمان أن تختار رياضة أخرى، ولكن من قال إن الرياضة حكر على جنس دون آخر؟ أوروبا نفسها كانت أول من دعا إلى ذلك، والملاكمة كغيرها من الرياضات خلقت للجميع، وبما أنها رياضة قتالية في المقام الأول، فمن الطبيعي أن تترك ملامحها على وجه إيمان الحاد، بشكل لا ينتقص من أنوثتها التي ظهرت في دموعها بعد وصولها إلى نصف النهائي. نعم، اتحد العالم كله ضدها، لكنها رفعت يديها بالدعاء إلى الله أمام الملايين، وقالت: «ربي معي»، حاربت بذلك النظرة المجتمعية التي لا ترضى أن ترى امرأة تتلقى الضربات وتوجهها.
لم تكن معركة إيمان خليف في الحلبة فقط، بل كانت معركة مزدوجة ضد التنمر والتمييز الجنسي، فكانت التعليقات القاسية والنظرات الرافضة تلاحقها في كل مكان، في رياضة تعتبر حكراً على الرجال إذا برعت فيها النساء العربيات، ومتاحة للجميع طالما تمارسها نساء أوروبيات جميلات.
لكن رغم كل التحديات التي واجهتها، لم تتراجع إيمان، بل زادت من إصرارها وإصرارها على تحقيق حلمها، فكانت تذهب إلى صالة التدريب كل يوم، متجاهلة كل الانتقادات والاستهزاء، وتركز فقط على هدفها، كان تدريبها شاقًا، وكانت تظهر كل يوم قوة وصلابة تفوق المتوقع منها.
وبإصرارها بدأت تحقق النجاح، وانتصارا تلو الآخر بدأت تجذب الأنظار ليس فقط كامرأة تمارس الملاكمة بل كلاعبة موهوبة تتفوق على منافسيها حتى أثبتت للجميع أن الجنس ليس معيارا للقدرة أو النجاح.
وأصبحت قصة خليف مصدر إلهام للعديد من الفتيات اللاتي يرغبن في تحدي الأعراف والتقاليد، بعد أن أثبتت أن المرأة قادرة على تحقيق أي هدف تضع نصب عينيها مهما كانت الصعوبات التي قد تواجهها، وأكدت أن الإرادة والتصميم هما السلاح الأقوى في مواجهة التنمر والتمييز.
هذه المرأة التي اختارت الملاكمة في عالم مليء بالتحديات، لم تكن مجرد ملاكمة، بل كانت رمزًا للأمل والشجاعة. وتثبت قصة نجاحها أن القوة الحقيقية تأتي من الداخل، وأن القدرة على التغيير تبدأ بالثقة بالنفس والعزم على تحقيق الأحلام، مهما كانت الصعوبات.
للمزيد : تابعنا هنا ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر .
مصدر المعلومات والصور: youm7