أخبار عربية

رئيس "الدفاع المدنى اللبنانى" بقضاء جبيل لليوم السابع: مهمتنا مواجهة المجهول

القاهرة: «رأي الأمة»

“في أحد الأيام، اصطحبت ابني البالغ من العمر 10 سنوات لشراء بعض الحلويات التي يحبها، وكنت عائداً للتو من العمل في إجازة قصيرة، وفجأة رن الهاتف يخبرني بوجود غارة إسرائيلية على أحد المنازل مع 30 شخصا في بلدة العلمات. فجأة تركت يد ابني وهو يصرخ: “بابا”. “أنت ذاهب إلى الخطر.” ولا أعرف كيف عبرت المسافة واتجهت مسرعاً نحو المكان الذي تمت فيه المداهمة. هكذا وصف مخول بو يونس كيف كان يتلقى مهمات الإنقاذ. لضحايا الغارات الإسرائيلية.

ويعمل “مخول” رئيساً إقليمياً للدفاع المدني في قضاء جبيل وسط لبنان. عمل لمدة 19 عامًا في مهام مكافحة الحرائق والإنقاذ والإسعاف في مديرية الدفاع المدني اللبناني في وطنه لبنان. لديه طفل يضطر إلى تركه لفترات طويلة بسبب ظروف عمله.

ويحدثنا “مخول” عن ظروف عمله قائلاً: “إن الاشتباكات التي جرت منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023 فرضت علينا ظروف عمل صعبة جداً، وبالطبع أصبحت أكثر صعوبة منذ التصعيد في أيلول/سبتمبر الماضي. ولم أرى ابني جيداً منذ ذلك التاريخ. ولم تمنحنا الغارات الوحشية المتوالية الفرصة لأخذ يوم راحة. ولا يمكننا أن نتخلى عن مهامنا الإنسانية، فهناك دائماً من يحتاج إلى الإنقاذ والمساعدة.

“لقد حرمت من رؤية ابني منذ بدء التصعيد. وفي كل مرة أتلقى مكالمة، كنت أسمع صوته يعاتبني: “لقد اشتقت لي يا أبي”. أخشى أنني لن أراك مرة أخرى. أنا أحبك كثيراً.’ وهذا لم يفارق أذني طوال الوقت”، يقول مخول.

لحظات مؤثرة يصعب وصف تفاصيلها. في كل مرة كنا نذهب في مهمة، كان الأمر كما لو كنا سنواجه المجهول. وكان القصف عشوائياً ولم يسلم العدو الإسرائيلي أحداً من نيرانه. تعرضنا أكثر من مرة للقصف على سيارات الإطفاء وسيارات الإسعاف التابعة للمديرية العامة، وعندما اشتدت الغارات دعمنا عملنا في جميع أنحاء العالم. لبنان، وليس فقط منطقة جبيل.

بأنفاس متقطعة تحمل حزناً ممزوجاً بالصمود والإصرار، يواصل مخول سرد الأهوال التي يعيشها أثناء قيامه بواجباته، قائلاً: كنا نضطر أحياناً إلى السير بعد الاعتداءات الوحشية على سياراتنا. ومن أجل تقديم الإغاثة للضحايا، نركض بكل طاقتنا وكل ما يمكن أن نفكر فيه، داعين الله أن نجد المصابين أحياء وليسوا أموات، وكانت الطرق المغلقة تحديا آخر يعيق وصولنا إلى الضحايا. وهو عدوان لا يرحم ولا يبالي بأن حياة الجريح في خطر.

ويواصل مخول الحديث عن التحديات قائلاً: سقوط أعداد كبيرة من عناصر الدفاع المدني بينهم شهداء وجرحى، جعلنا نثابر ونتابع بكل إصرار وقوة لمساعدة الآخرين. كما كنا بحاجة إلى أعداد لتعويض الخسائر البشرية، إضافة إلى عدم توفر المعدات اللازمة لهذه المهام ونقص سيارات الإسعاف والإطفاء. وفي قضاء جبيل 11 سيارة إسعاف و11 سيارة إطفاء و180 فرداً بشرياً.

وعن المهام التي يقوم بها عناصر الدفاع المدني، قال بو يونس: “نقوم بإطفاء الحرائق الناتجة عن القصف وإنقاذ المصابين وتقديم الإسعافات الأولية لهم”. ومن ثم نقوم بنقلهم بسيارات الإسعاف إلى المستشفيات. وتشمل المهام التي نقوم بها أيضًا البحث عن العالقين تحت الأنقاض. وبعد بعض المداهمات، نواصل العمل لعدة أيام متواصلة للعثور على المحاصرين. الصليب الأحمر اللبناني يدعمنا.

وعن خطوات تنفيذ مهام الإنقاذ في موقع الغارة، يوضح مخول: بمجرد وصولنا إلى منطقة الضربة، نقوم بفرز المصابين لتحديد الحالات الأكثر خطورة التي تحتاج إلى الإنقاذ بسرعة أكبر من غيرها، ونتواصل مع أقرب مستشفى لتأمين أماكن للحالات الحرجة.

60c7feaf-22d8-4dc1-9226-fab8ced625e1

ويضيف “مخول”، “تشمل مهامنا أيضًا المساهمة في تقديم الخدمات العامة، مثل إعادة فتح الطرق التي أغلقت بسبب الركام والدمار، ونقل مرضى الكلى من مراكز الإيواء إلى مراكز غسيل الكلى لتلقي جلسات غسيل الكلى، وتوزيع المياه على النازحين. ويستضيف قضاء جبيل نحو 38 ألف نازح من سهل البقاع، وضاحية بيروت الجنوبية، والجنوب، في اثنتي عشرة مدرسة إضافة إلى المساجد والحسينيات، وتصل كمية المياه الموزعة يومياً من 30 ألف لتر إلى 90 ألف لتر.

وعن أصعب المواقف التي مر بها خلال الحرب، يقول مخول “لن أنسى أبدًا لهفة الأطفال واندفاعهم إلى سيارات نقل المياه لهم، والتي لم تكن كافية لتلبية احتياجات جميع النازحين، كما وأعدادهم فاقت إمكانيات تلبية الاحتياجات التي تم توفيرها من خلال لجنة إدارة الكوارث بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني”. مثل جمعية “حقي في الحياة” وLSR والمتبرعين والأهالي، حيث تم إنشاء مطابخ عامة في جبيل لتقديم الوجبات للنازحين، ومطبخ واحد يغطي احتياجات 1500 عائلة.

وما زال مخول يروي مشاهد لن تمحى من ذاكرته أبداً. ويقول: انتشال الأطفال من تحت الأنقاض من أصعب الأمور التي مررنا بها على الإطلاق. وفي إحدى الغارات كان هناك طفلان ممسكين بأيدي بعضهما البعض، استشهد أحدهما والآخر لا يزال على قيد الحياة. لن أنسى أبدًا نظرات الطفل. بالنسبة لأخيه كان ينزف فأخذته بسرعة إلى المستشفى.

تظل هذه المواقف عالقة في ذهني وتمر أمامي مثل بكرة فيلم أشاهدها حتى في نومي. وهذا ما يضعنا تحت ضغط نفسي شديد، ويترجم أحياناً إلى نوبات بكاء أو نوم متقطع لأيام لا نستطيع النوم فيها، خاصة وأن هذه الحرب هي الأشد قسوة التي شهدها لبنان. والدمار هائل، والغارات أكثر وحشية، وتنفذ على نطاق أوسع من حرب تموز 2006، إضافة إلى أن الوضع الاقتصادي في الولاية مرهق.

ولخص مخول دوافعه للاستمرار في هذا المجال رغم ما يحمله من مخاطر وتبعات نفسية، قائلا: “مديرية الدفاع المدني مدرسة الشرف والوطنية والإنسانية. ويعلمنا ألا نتخلى عن عائلاتنا التي تستغيث طلباً للمساعدة أو التي تحتاج إلى يد العون، حتى لو كلفنا ذلك حياتنا”. ما قيمة الحياة دون كرامة الإنسانية؟!

55ecd5d0-bcf4-430b-b10f-d527306dbc81

للمزيد : تابعنا هنا ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر .

مصدر المعلومات والصور: youm7

 


اكتشاف المزيد من رأي الأمة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من رأي الأمة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading