أخبار عالمية
رامي الشاعر : روسيا تلقت من “هيئة تحرير الشام” رغبتها بأن تكون الشريكة في بناء سورية المستقبل
قبل يوم واحد فقط من سقوط النظام السوري، توقع المستشار والدبلوماسي المقرب من وزارة الخارجية الروسية سقوط النظام مختصراً ذلك بالقول “سيسقط خلال ساعات”، التصريح ذاته يترك الكثير من الأسئلة أمام هكذا حدث مفاجئ للسوريين، كما يفتح الباب للكثير من الأسئلة حول الموقف الروسي، خصوصاً وأن الشاعر هو القناة الموازية أو غير الرسمية للموقف الروسي من سورية، فقد أثارت مقالاته جدلاً واسعاً بين السوريون فتراوحت بين غيرته على الدولة السورية ومؤسساتها التي فهمها المتشددون من المعارضة بأنها دفاعاً عن النظام، وبين رسائله الضاغطة على النظام السوري التي فهمها متشددو النظام بأنها وقوفاً مع المعارضة، وبين الموقفين تُثار الكثير من التساؤلات حول مآلات الموقف الروسي في بناء الدولة السورية المستقبلية.
في أول تصريح له بعد سقوط نظام الأسد، يكشف المستشار السياسي الروسي والمقرب من مؤسسات صنع القرار للسياسة الخارجية الروسية السيد رامي الشاعر السرية عن الكثير من المواقف التي كانت محكومة بطبيعة العمل السياسي والدبلوماسي، وهي المواقف ذاتها التي تضع اليوم النقاط على الحروف فيما يتعلق بمستقبل الدور الروسي بالتغيير في سورية.
في هذا السياق، يقول الشاعر: حول مجريات ما حدث منذ اليوم الأول لسقوط حلب، كان الروس قد منعوا الطيران السوري من التحليق نحو حلب، في الوقت الذي كانت فيه بيانات وزارة الدفاع السورية تبث أخباراً غير صحيحة، فقد كان النظام السوري يضيف عبارة “الطيران السوري والروسي المشترك” علماً أن الطيران الروسي لم يشارك بتاتاً في جميع مراحل العمليات العسكرية التي قام بها مسلحو المعارضة.
وأضاف الشاعر، لقد تلقينا البيان الذي أصدرته “هيئة تحرير الشام” دون رد، والذي تضمن رغبة المسلحين في المشاركة في بناء سوريا المستقبل.
ونوه الشاعر، أن الثورة السورية مرت بتحولات قسرية كبيرة بسبب طول الصراع، وننظر إلى المسلحين الذي دخلوا حلب ودمشق وغيرها، أنهم سوريون خرجوا لإسقاط النظام المستبد، خصوصاً وأن كل البيانات التي صدرت عن قائد هيئة تحرير الشام تتعارض والصورة التي رسمها البعض كشخص تكفيري. ولهذا نحن ننظر إلى رغبة الشعب السوري، فإذا أرادو أن يحكمهم الجولاني فليحكمهم الجولاني، كذلك بالنسبة لرئيس الوزراء الذي تمت الموافقة عليه من قبل المسلحين للبقاء في مهامه بشكل مؤقت، فهذه بادرة جيدة وتعكس فكرة المحافظة على مؤسسات الدولة السورية، ولكن تبقى هذه المهمة مؤقتة، لأن السوريون هم من سيقرر من يحكمهم مستقبلاً.
وأضاف، أن ما يجري هو انتفاضة شعبية لا علاقة لها بجبهة النصرة أو هيئة تحرير الشام أو مكونات معارضة، ولو لم تجد تلك الفصائل حاضنتها الشعبية لما كان لها ما أرادت، وقد قلت مراراً أن هناك أكثر من 85 % من الشعب السوري لا يريدون النظام، تماماً كما لا يريدون أن يحكمهم تكفيرين، أما من يناضلون في جبهة تحرير الشام من أجل حرية الشعب السوري وتحقيق العدالة والكرامة فهم ليسوا تكفيرين، وهم أبناء سورية، فسورية وثقافة السوريين هو بناء دولة علمانية تسمح لكل السوريين المشاركة فيها.
وتابع الشاعر، أهنئ الشعب السوري على سقوط نظام الأسد، وأتمنى البدء بالتغييرات لبناء سورية الحبيبة.
وحول ورود تقارير تفيد بانسحاب القوات الروسية من بعض مواقعها في الجنوب السوري، بما في ذلك محافظة القنيطرة على الحدود مع الجولان المحتل، إضافة إلى مزاعم عن انسحابها من قاعدة حميميم الجوية، ومدى دقة هذه المعلومات، والأسباب المحتملة وراء هذه الخطوات إن صحت وما هو تأثيرها على التوازن العسكري والسياسي في سوريا، خاصة في الجنوب، قال الشاعر:
الوضع في جنوب سوريا يختلف عن مناطق الشمال وغيرها من الأراضي السورية. فأبناء الجنوب دائما ما يحرصون على السيادة السورية، ويضعون مهمة تحرير الجولان أولوية فوق كل اعتبار، وهذه ثقافة متجذرة في عقيدة كل سوري، ولا مكان لأية معارضة في مستقبل سورية، إن لم تكن نابعة من هذه الثقافة، التي ظلت -في أحلك ظروف الأزمة السورية- معبرة عن رفض الاحتلال الإسرائيلي للجولان السوري المحتل، كما يضع السوريون في مقدمة قضاياهم، قضيته العرب والمسلمين المركزية فلسطين. هذه مسألة محورية لدى السوريون، وبعد ذلك تأتي مسألة تغيير النظام في سوريا بعد ذلك. الشعب السوري لديه ميزة فريدة تاريخياً، ويمتلك عقل جمعي كشعب مدني، يؤمن بالعيش المشترك، فقد عاشت عبر التاريخ جميع الطوائف والاثنيات مع بعضها دون أي صراع داخلي، وهو ما لم نلحظه عند أي شعب من شعوب العالم. أما ما لاحظناه من إفرازات فردية خلال الصراع السوري فهو لا يمثل السوريين بقدر ما هو صناعة مخابراتية دولية، المشكلة -كما قلت سابقاً- أن الطاقات السورية التي تعكس وجه سورية الحضاري مهدورة سواء قبل الأزمة أو بعدها. لذلك يحرص أهل الجنوب -كما كل السوريون- أن يكون لهم مشاركة فعالة مع باقي المكونات الطائفية والعرقية للمجتمع السوري. عملياً، بدأ الحراك بهذا التوجه من قبلهم، وهو ما أيدته بعد ذلك غالبية المناطق السورية تقريباً، ونظرا للتوتر الشديد، الناجم عن رفض أبناء الجنوب لنظام الحكم الحالي، قامت روسيا بجهود كبيرة لعدم حدوث صدام عسكري بينهم وبين النظام، الذي دائما ما شعر بانتقاص هيبته خاصة في محافظتي درعا والسويداء. وقد لجأت روسيا لوضع نقاط للشرطة العسكرية الروسية لتفادي حدوث صدام بين الطرفين، لا سيما بعد الوساطة الأخيرة التي قامت بها روسيا قبل نحو ثلاث سنوات، وأوقفت زحف فرقة كاملة من الجيش السوري، تحركت باتجاه درعا وحدثت حينها مناوشات وتراشق بالرشاشات والمدفعية على أطراف مدينة درعا بين الجيش وأبناء درعا.
وحول تسارع الأحداث في سورية والتطورات التي رافقت الحدث قال الشاعر، اليوم ومع تغيّر الوضع جذريا، وتسليم المحافظ الأمور لأبناء درعا، وتشكيل لجنة بعد هروب جميع ممثلي الأجهزة الأمنية التابعة للنظام في دمشق، ومغادرة الجيش السوري مواقعه، وهو في حالة من الحيرة، بعد أن بات لا يعلم كيف وإلى أين يتوجه، بعد شعوره بأن الأهالي غير راغبة في وجوده، وفي ظل تخلي قياداته عنه، إلى الحد الذي وصلت معه الأمور إلى حد أن ضباطاً من الجيش العربي السوري لجأوا إلى أهالي درعا يتوسلون إليهم لحمايتهم واحتوائهم، وهو ما حدث أيضا في السويداء، حيث قام الفوج 405 التابع للجيش السوري بتسليم نفسه بالكامل. وما حدث في درعا والسويداء وغيرهما من المحافظات هو أكبر دليل على بداية انهيار النظام في دمشق.
وحول إشكالية التوازن العسكري والسياسي في سورية، قال الشاعر: أقول إنه لم يعد له قيمة، حيث أصبح الوضع محسوماً، وسيصبح التوازن العسكري والسياسي لمصلحة غالبية ما يطمح إليه الشعب السوري، وفي اعتقادي لن يتم تقسيم سوريا، وسيقرر الشعب السوري وحده شكل الحكم وطبيعته وآلياته، وهذه ليست تلك شعارات، فالشعب السوري هو شعب علماني متنوع بطبيعته ولديه الكثير من الكفاءات والكوادر المهدرة.
سورية الآن على مفترق تاريخي، فإما عملية سياسية تعمل على تطبيق القرار 2254، الذي لم ينص على تمثيل المعارضة الرسمية وحسب، وإنما تمثيل جميع ألوان الطيف السوري المعارض، وبالأخص أولئك الذين استشرفوا مآلات وخطورة استخدام السلاح وإدخاله إلى سورية، ورفعوا شعارات لا للطائفية ولا للتدخل الخارجي، ما أدى إلى تهميشهم بشكل ممنهج من الدوائر التي كانت تريد لسورية أن تدخل في أتون هذا الصراع الكارثي.
وحول مآلات عملية الانتقال السياسي في سورية تابع الشاعر، أطمئن جميع السوريين أننا وخلال صياغة القرار 2254 كنا ندرك هذه الحقيقة، وقمنا بتضمينها في مقدمة القرار بما يفيد إلزاميتها؛ حيث نصت ديباجة القرار 2254 على “تجميع أوسع طيف ممكن”، والإحاطة علماً باجتماعات موسكو والقاهرة والرياض و “بما اتخذ من مبادرات أخرى تحقياً لهذه الغاية”، وبالتالي فقد اشتغل القرار 2254 بديناميكية تتسق والعامل الزمني والظروف التي لازمت تشكيل المعارضة الرسمية، والتي اندرج تحتها جماعات إرهابية ومتطرفة. لذلك لدينا فصل واضح ينطلق من القرار 2254 ذاته هي أكد على محاربة الجماعات الإرهابية التي لا مكان لها في مستقبل سورية، وهذا ما قصده وزير الخارجية الروسي السيد سيرغي لافروف في حديثه السبت الماضي في الدوحة عندما تحدث عن “المعارضة الشرعية”، قائلاً: “دعونا إلى وقف فوري للأنشطة القتالية.. ولهذا الغرض دعونا إلى الحوار بين الحكومة والمعارضة الشرعية”، وبالتالي فالموضوع متعلق بعملية سياسية يقودها السوريون، تضمن استمرار المؤسسات الحكومية.
و بخصوص انسحاب القوات الروسية من بعض مواقعها في الجنوب السوري، قال الشاعر: أود توضيح أنه ليس هناك قوات روسية بالمعنى الحرفي للكلمة. هناك نقاط مراقبة روسية نعم، وقد انسحبت من بعض النقاط التي كانت تتواجد فيها لأنه لم يعد هناك حاجة لتواجدها هناك، حيث اختلف وضع الجيش السوري، الذي أصبح عملياً مع الشعب، لذلك غادرت الشرطة الروسية العسكرية باتجاه مراكز أساسية قريبة للمراقبة على الحدود مع الجولان المحتل، وتلك نقاط تتواجد بقرار مجلس الأمن الدولي، وستبقى طالما كان قرار المجلس سارياً.
أما بالنسبة لقاعدة حميميم الجوية، فلا صحة لانسحاب روسيا من قاعدة حميميم الآن، لكن الأكيد هو أن تواجد هذه القاعدة الجوية مؤقت، ومن يحدد انسحابها أو تمديد تواجدها هو من سيستلم السلطة من النظام في دمشق قريبا، ومهام القاعدة محدودة بمحاربة التنظيمات والمجموعات المصنفة إرهابية وفقا لقوائم الأمم المتحدة. وأعتقد أن التغييرات التي تجري في روسيا الآن ستعالج قضية هذه التنظيمات، وحينما لا تصبح هناك ضرورة لوجود قاعدة حميميم الجوية الروسية في سوريا، فإن روسيا لا تسعى لزرع أية قواعد عسكرية في أي مناطق من العالم، وتواجدها على الأراضي السورية كان بطلب رسمي من الحكومة في دمشق، وفقا لقواعد القانون الدولي المتعارف عليه.
وتابع الشاعر، أحب أن أضيف وأوضح للشعب السوري بشأن الوجود الروسي في سورية، بأن هناك فرقاً في القانون الدولي بين مبدأ ” التدخل بناء على طلب من الحكومة” وبين التدخل غير المبني على طلب، إذ يعتبر القانون الدولي واستناداً لمبدأ ” عدم التدخل في شؤون الغير في القانون الدولي” ، أن التدخل بدون طلب الحكومة هو نوع من العدوان أو الاحتلال، بينما يعتبر مبدأ ” التدخل بناء على طلب” أحد الاستثناءات المشروعة على مبدأ عدم التدخل، كما ينص القانون الدولي استثناء آخر على مبدأ عدم التدخل وهو ” التدخل لمحاربة الإرهاب” وهذه من أبسط القواعد المعروفة لدى خبراء وفقهاء القانون الدولي. من هذه النقطة بالذات يمكن لك أن تحكم على الدور الروسي في سورية.
اكتشاف المزيد من رأي الأمة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
إتبعنا