عالية محمد الشاعر تكتب : تقاسيم على أغنية شعبية
في هذه الخاطرة تفسير لكلمة (دلعونا) برؤيا أدبية، دلعونا من أشهر الأغاني الشعبية التي يرددها أهل بلاد الشام، وكذلك يعرفها كثير من سكان الوطن العربي.
هكذا أرى وأفهم علاقة الثائر الحُرّ بوطنه والعكس صحيح أي الوطن بئاثره، هما في حالة من الحب، الحنين، الشوق، والبحث الدائم عن بعضهما، في هذه العلاقة السرمدية المُبهمة والواضحة في آن يحسم الثائر الحُرّ موقفه من الموت، يصبح بالنسبة اليه مستساغاً يشبه الولادة والحياة لأن روحه سترحل حيث محبوبته عناة رمز الأرض، الخصوبة، الجمال والتجدد والتي تملك كل مقومات الخلود، وكذلك تتماهى برمزيتها في عقله الباطني مع مفهوم الحور العين اللواتي ورد ذكرهن في القرآن الكريم.
يمه مويل الهوى يمه مويليا ريشتك يا ناجي العلي كانت ومازالت مرتينا تهزم الاستبداد والصهيونية.
وعلى دلعونا وعلى دلعونا رأس حنظلة الولد العنيد شوك في حلوق السارقين، المجرمين، المحتلين، المعتدينا، وعناة مجنونها شامي هام على وجهه أيام وليالي في سوريا، لبنان، الأردن، وفلسطيننا، والتقى بصبايا قلوبهن تفطّرت من أنين روحه المجروحة وفاضَ حزنه على نفسه من فراق المُحبينا، وهذه قصة ليس لها نهاية، بطلها شابّ شارك شجونه، أتراحه، أفراحه، وأشواقه، لكل الشباب الملتاعة، طلعته يتباهى بها الشمس والقمر ويشهدوا أن نورهم انعكس على وجه من أجمل وجوه البشر كيوسف الذي ذهبت ضحية حسنه أصابع نساء قصر الحضَرْ، وعناة عاتبت الصمت وازدادت كلاماً وباحت بأشجان بطلها الذي انظلم وهو الذي عزّا قيساً مردداً لست وحدك على ليلى مفجوعاً وأنا رحلت حبيبتي عنوةً عني وفقت يا قيسُ جنونك جنونا، فمن منا يرثي لحاله العرب وهم الذين أناحوا الصحاري والفيافي وأبدعوا في الرثاء كما في الغزل، وأشبعوا قصائدهم بالعواطف المأسورة المرَّنخةِ بغرام البوادي.
ويا قارئي النبيه لعلك اكتشفت سر الجملة المختصرة بكلمة (عناة) وأصلها (دلّوني على عناة) وعناة ليس لها أهل أوعنوان لأنها شردت مع بدء الخليقة منذ أول لقاء بينها وبين بعلٍ القويّ في أرض كنعان، هذا اللقاء غمرَ الكونَ رهامَ غرام أغرقَ حكايا العشق الأبدية، وعناة هذه الحبيبة المتمردة العفيفة آثرت أن تفرض سلطتها على رغباتها، متنقلة كما يحلو لها بين السهول، المراعي، الجبال والوديان، جَذِلَةً منتشيةً بروعة الطبيعة، ويبقى الحبيب لاهثاً ورائها مستعذباً انشغاله بسر اختفائها، يبحث عنها وتبحث عنه في كل زمان ومكان، وهذه المختبئة منذ آلاف السنين بين تلافيف الدماغ ومخزون الذاكرة، جعلت من نفسها الأكثر غموضاً، فلربما أصبحت حوريةً غطست في بحر غزة أو اللاذقية أو بيروت، تارةً تظهر على السطح تُداعبُ الأمواج وتارةً تغوص عميقاً مُندهشةً مُتّخذةً حُلِّيها من عجائبِ القاع، أو ربما اختفت بين أشجار الزيتون أو أشجار الأرز الصنوبرية، أو سَرحتْ بين بيارات فلسطين لأنها تعشقُ لونَ الأرجوان في البرتقال وما فتأت تستنشقُ العطرَ الزكيّ دهوراً، ومن ثم ارتدت وشاحَ البهاء وتهادت مزهوةً على وقع دلال خطواتها، فزغردت لها الملكة بلقيس بحنجرة مرمرية أيقظت مفاتنها لِيستَفِقنَ الجنيات اللواتي غَفونَ بين أجمات الغابات في صلنفة وكسب ويسبحن بحمدالله (عَزَّ وَجَلَّ) خالق الكون البديع ، ليس كمثله شيء، الحكمُ، العدلُ، الذي يداول الأيام بين الناس، ليس لأحدٍ بعدَ مُلكهِ مُلكْ أو سلطان.
عوداً على بدء، ومع تعاقب القرون والعصور، تحولت عناة هذه الأنثى الأسطورية إلى أغنية فلكلورية وأصبحت من أكثر النساء شهرةً، وتمايلت مختالةً بحسنها مستأثرةً بالأفق البعيد خاطفةً بعينيها أزهى الألوان ، وتوحدّت بتضاريس الأوطان، ولم يستطع أن يحظى بها معظم الخلاَّن لأنها رَهنتْ مشاعرها لأنبل الفرسان أصله من سلالة بني عدنان أو غسان أو ربما افتُتنتْ بفلاحٍ حميد الأخلاق، أصيل الطباع، نقي السريرة ، عذب اللسان، أثمرت يداه عن الأطايب فاضت بخيرها على بلاد الشام ومنها شمال فلسطين وجنوب لبنان، وخرَّ الكثيرون صرعى عند تخوم التَوقِ للحرية ومنهم الشهداء الأبرار، بينهم النساء، الأطفال، الشيوخ والشَبان، وانتشت عشتار بمواسم الخصب سمادُها أجساد البشر، وأرعدت السماء بكاءً، فذرفت العيون الدموع في قلب كل عاشقٍ ولهان سَمِعَ كيف ينتحبُ الوطن على فراق أبنائه.
يمه مويل الهوى يمه مويليا رفرف وطار سرب الحمام فوق حوران ليَحُطَّ في درعا على قبر حمزه الخطيب الطفل الشهيد الذي كان شغوفاً بتطييره، ومع انسحاب الليل وحلول الصباح يهدل الحمام بأوراد الدعاء مع الرجاء لرب العباد أن يسودَ بالحكمة والسداد الخير العميم على قرى، بلدات ومدن الشام، ولسوريا الكبرى المعشوقة من غابر الأزمان ولدمشقها الفيحاء التي وصفها الرسول محمد (ﷺ) أنها خيرِ المدائنِ ، ولقدسنا الشريف المبارك ألفُ تحية وسلام لا ينقطعان ما توالى الدهر والزمان.
على دلعونا على دلعونا حنظلة الولد العنيد كَبُرَ وشبَّ وعاد إلى فلسطيننا وصار عنده ذرية، بالإيمان والعلم هزموا غولَ الاستبداد وصرعوا وحش الصهيونية.
يمه مويل الهوى يمه مويليا، أرضك ياشام موطئاً للفاتحين الأخيار، وهواكِ هبةً من الرحمن عطرهُ عَبقاً، ياسميناً، منعشاً للشرفاء الأحرار.
اكتشاف المزيد من رأي الأمة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.