مصر

مرصد الأزهر: الانحرافات الفكرية من أهم المشكلات التي تعانيها البشرية

القاهرة: «رأي الأمة»

وقالت وحدة التقارير الدورية بمرصد الأزهر لمكافحة التطرف، في تقريرها الأخير، إن الانحرافات الفكرية من أهم المشكلات التي تعاني منها البشرية. ومن المعلوم أن حفظ عقول أفراد المجتمع من الانحراف هو من أهم أهداف “الشريعة الإسلامية”. ومع هذه الانحرافات يتجاوز الإنسان حدود المنهج المعتدل نتيجة اعتناقه للأفكار المنحرفة، معتقدا صحتها، وفي الوقت نفسه لا يعترف بمبدأ حرية التعبير أو تبادل الآراء وقبولها. للآخرين، بل يقيد نفسه بالمعتقدات. برر سلوكه حتى لا يندم على ذنبه. لقد رسم القرآن الكريم والسنة النبوية أسلوب مواجهة الفكر المتطرف. يقول الله تعالى: “ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن”. إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين» (النحل: 125). وهذه الآية الكريمة منهج أخلاقي يفتح الباب أمام مواجهة مشكلات الانحراف الفكري. وفيه أمر الله رسوله أن يدعو الناس بثلاث طرق: الحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، سواء كانوا مجتمعين أو منفردين. وهذا يتطلب المرونة المعرفية التي يقترحها المقال كاستراتيجية لتلك المواجهة. وبما أن هذه الأساليب الثلاثة محددة ومتصلة ببعضها البعض بحرف الواو، فتكون النتيجة أنها طرق مختلفة، مما يحتم علينا التنقل بينها فيما يسمى في البحوث التربوية “المرونة المعرفية”. •

الطريقة الأولى: الحكمة. ويشار إليه في العلم الحديث بـ “قلب المعرفة”، والمقصود هنا “المعرفة القطعية”، مع مراعاة ما يعرف بالتفكر. التعليم يجعل الفرد مستعداً في المستقبل لمواجهة قضايا مشابهة لما تعلمه في المخططات المعرفية السابقة. ومن كان حكيماً ينتج رؤى جديدة للواقع، وهذا النوع من الإنتاج العقلي يعزز الشعور بالكفاءة الذاتية. علماً أن الدراسات الحديثة تجعل “الحكمة” أعلى أنواع النشاط البشري في جميع جوانبه المعرفية والاجتماعية والعاطفية. يرى بعض العلماء أن الحكمة تتجاوز العمليات المجردة. النظرة الحكيمة إلى شؤون الحياة بعدسة تأملية جدلية. إنهم ناضجون ومتسامحون ولديهم خبرة واسعة. كما أنهم يصدرون أحكامًا قيمية ويتمتعون بمهارات تواصل ممتازة. والحكمة تقتضي معرفة الأسباب التي تؤدي إلى التطرف، سواء كانت تلك الأسباب معرفية أو غيرها.

• الطريقة الثانية : الموعظة الحسنة . تعتبر الموعظة الحسنة من أهم أركان إيقاظ القلوب وإصلاحها وعلاج أمراضها. ويمكن إما أن يكون مسموعاً، وفي وقته يستفيد مما سمع وقرأ وتلاوة من الهدى والإرشاد والنصح الذي جاء على ألسنة الرسل، وما أنزل عليهم من ربهم، كما هو . وذلك بمراعاة ما يشهد، وهو الاقتناع بما يراه ويشاهده في العالم من مواقع الدروس والمواقف والتجارب وسنن الله في الكون، من خلال التدبر والتدبر والاعتبار. وحاجة القلوب إلى الموعظة لا تقل أهمية عن حاجة العلم والمعرفة. ولأن قدرة القلب على البصيرة تنفتح لتلقي العلم النافع، فيطمئن القلب، ولذلك يوصف القرآن الكريم بأنه (موعظة). وقال تعالى: “يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما قد سلف”. بلى الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين» (يونس: 57)، ووصفت الكتب السابقة كذلك. قال الله تعالى عن الإنجيل: “وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور مصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين”. (المائدة: 46)، وقال الله تعالى عن الألواح التي أنزلت على موسى: وقال صلى الله عليه وسلم: “وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتبيانا لكل شيء” (الأعراف: 145). وفي السنة المطهرة يقول سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه: “كان صلى الله عليه وسلم يعظنا في النهار مخافة الملل”. وذلك لأن جمال الموعظة يكمن في أمرين: الأول: وجودها في وقتها، كالمطر بعد القحط. فإذا زاد المطر على حاجة الأرض تشبعت به. وهنا ينبغي أن يؤخذ في الاعتبار مقدار النصائح المقدمة في الوقت المناسب للمتلقي. الثاني: ملاءمتها للموقف، ويشمل ذلك ملائمتها للموقف، مع مراعاة الفروق الفردية، والفروق الثقافية أيضًا، والتي تتضمن القدرة على استخدام طرق تفكير منظمة مناسبة للموقف. وفي كتاب الرقاق من صحيح البخاري نماذج من خطبه صلى الله عليه وسلم لأصحابه. فالتبشير طريق المصلحين في كل زمان ومكان. ويجب على معلمي أهل الخير مهما كان الفن الذي يدرسونه، والمهتمون بوسائل الاتصال المعاصرة، أن ينتبهوا إلى بث رسائل موجزة لإحياء قلوب طلابهم ومتابعيهم.

• الطريقة الثالثة: الجدال بالتي هي أحسن. مع تطور التعليم كمنهج لاستيعاب أي معرفة، فإنه يمكن تكييفه لاكتساب المهارات المهنية المطلوبة من خلال تكييفها مع الاحتياجات التي نعيشها اليوم، بما في ذلك التقدم العلمي والتكنولوجي. تعد تنمية المهارات هدفًا أساسيًا لمعظم السياسات التعليمية في دول العالم. أي أن تدريس مهارات التفكير يعادل تزويد المتعلم بالأدوات التي يحتاجها ليكون قادرًا على التعامل بفعالية مع أي نوع جديد من المعلومات، بما في ذلك تقديم حجته بطرق أكثر كفاءة. إن تعلم مهارات التفكير يشجع الطالب على طرح الأسئلة وبناء الأفكار وتقديم الحجج المنطقية وبناء شخصيته بما يساعده على الاستخدام الأمثل للمعرفة العلمية النظرية والتطبيقية. ثم يهتدي المتعلم بمهاراته ويتطلع إلى المستقبل، وهو ما يعني “الأمل الكبير” الذي أشار إليه الماوردي عندما قال: “واعلم أن ما يصلح العالم حتى تنتظم أحواله هي ستة أشياء”. وهي: دين متبع، وسلطان قاهر، وعدالة شاملة. “الأمن العام، والخصوبة الأبدية، والأمل الواسع.” لأن القرآن الكريم يشرح بعضه بعضاً؛ وفي تفسير “المجادلة بالتي هي أحسن” يقول الله تعالى: “خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ” (الأعراف:199).

وهذه خطوات شاملة لحسن السلوك مع الناس، وما يجب فعله في معاملتهم. والذي يجب أن يعامل به الناس هو أن يأخذوا ما تيسر لهم من الأعمال والأخلاق، فلا نحملهم ما لا تسمح به طبائعهم. بل نشكر الجميع على ما قدموه من جميل الأقوال والأفعال. نتغاضى عن عيوبهم ونغض الطرف عن عيوبهم. نحن لا نتكبر على الشاب لصغره، ولا على الفقير بسبب فقره. بل نتعامل مع الجميع بلطفٍ يناسب الموقف ومنفتحًا عليه. وعليه، تعتبر المرونة المعرفية استراتيجية وبعداً فعالاً للشخصية، حيث تصبح الشخصية قادرة على تغيير المفاهيم، واكتساب أنماط جديدة، وعدم التمسك بالأفكار النمطية، وكل ذلك قادر على التغلب على أزمات الحياة، بالإضافة إلى المساعدة في مواجهة التحديات الفكرية. الانحرافات على وجه الخصوص. أما في مواجهة الانحرافات الفكرية، فالمرونة المعرفية تعني: القدرة على التنقل بين الأساليب الثلاثة المذكورة أعلاه، وهي الحكمة، والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن، أو الجمع بين طريقتين أو ثلاث منها حسب طبيعة المثقف. المشكلة وحسب ما يتطلبه الوضع. وفي الختام يوصي المقال بضرورة أن تشتمل البرامج الدراسية على مقررات تتضمن استراتيجية المرونة المعرفية، بما في ذلك الاستفادة القصوى من الأساليب التعليمية والإعلامية والتوعوية ووسائلها في نشر الفكر الصحيح.

للمزيد : تابعنا هنا ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر .

مصدر المعلومات والصور: youm7

 


اكتشاف المزيد من رأي الأمة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من رأي الأمة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading