تقارير

مفتي تونس: مقدساتنا مستهدفة وقبلتنا الأولى ينكل فيها بشعب شقيق

مفتي تونس: مقدساتنا مستهدفة وقبلتنا الأولى ينكل فيها بشعب شقيق
القاهرة: «رأي الأمة»

قال سماحة الشيخ هشام محمد المختار بن محمود مفتي الجمهورية التونسية: “إننا نعيش ظروفاً حرجة ودقيقة يمر بها عالمنا الإسلامي، حيث تُستهدف مقدساتنا وقبلتنا الأولى، ويُضطهد شعب شقيق عزيز في الأرض المباركة التي بارك الله حولها، وفي قطاع غزة الشريف، حيث تُنتهك الكرامة والدماء بشكل غير مسبوق، ويُشرد شعب أبي على مرأى ومسمع من عالم لطالما أوهمنا بحقوق الإنسان وكرامة الشعوب”.
وتساءل خلال كلمته في جلسة الوفود في المؤتمر العالمي التاسع للأمانة العامة لهيئات ومؤسسات الإفتاء في العالم، المنعقد تحت مظلة دار الإفتاء المصرية: “أين الضوابط الأخلاقية؟ إنها إبادة علنية لشعب رفض أن يفعل أي شيء سوى الدفاع عن حقوقه واستعادة ما سلب منه”.
وأضاف: “وهكذا نلتقي بكم مرة أخرى لمناقشة قضية رئيسية تشكل ركيزة من ركائز الفتوى، محورها: رؤيتنا للبناء الأخلاقي منهجاً ومنطلقاً وطريقاً في عالم تتطور فيه التحديات والقضايا باستمرار فكرياً وعقائدياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً.. بشكل قد يربك العقل، الأمر الذي يتطلب منا من جهة مواكبة هذه السرعة القصوى في ظهور القضايا التي تتطلب حلولاً وأجوبة تواكب الواقع وتحافظ على ثوابت الدين ومقاصده. وهي تحديات نواجهها على جبهات متعددة: فردية وجماعية ووطنية وعالمية، ومن خلال المجامع العلمية والاجتهاد الجماعي”. إنها تحديات تتطلب منا أن نجد قواسم مشتركة بين واقعنا المتغير بسرعة وأهداف شريعتنا التي تقوم فلسفتها على التروي والثبات، والتي نستمد أبعادها من تلك الآيات التي نزلت على قلب النبي الأعظم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ودعوته إلى قراءة القرآن على مهل، مراعاة للقدرات البشرية وتثبيتاً للأقدام. (وقرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث) (1).
وأكد أن تحقيق المعادلة بين متطلبات التطور وتنوع القضايا من جهة، والحفاظ على قدسية النص ومراعاة الأبعاد الموضوعية للدين التي أكدت عليها المصادر الأولية وحتى الثانوية للشريعة، هو دور الفتوى اليوم، وهو دور دقيق وحساس يتطلب منا التواضع والتكامل، بعيداً عن الاستعلاء وادعاء الحكمة ورفض الرأي الآخر والعزلة الطائفية والتعصب. ورغم أن مجالات الفتوى في الماضي كانت تقتصر غالباً على الفروع الفقهية وقضايا الأحوال الشخصية ودور العبادة وأساليب التعامل المحدودة، باعتبار الإسلام دين اعتقاد وعمل، إلا أن تحديات الفتوى اليوم وتعدد مجالاتها وتسارع القضايا التي يفرضها واقع سريع التغير يتطلب مزيداً من التأمل في إطار عمل جماعي تتضافر فيه جهود المتخصصين في الفقه والدين، وكذلك في مجالات تتصل بالقضايا المطروحة والتي استوجب الواقع التفاعل معها للوصول إلى إجابات تواكب القضايا المعاصرة وتحافظ على مقاصد الدين.
وتابع: بالتأمل والمقارنة بين تطورات القضايا المعاصرة وما تناوله السلف عبر العصور، نجد عناوين خلدها التاريخ، كالموافقة، والفاروق، والشيبة، والنظائر، وموطأ الإمام مالك، ورسالة ابن أبي زيد، على سبيل المثال لا الحصر، وصولاً إلى خصائص وعقائد أهل السنة والجماعة، والتي تجلت فيما كتبه أحد أبرز علماء الأزهر الشريف الشيخ محمد أبو زهرة من إبداعات في أئمة الاجتهاد، إلى جانب إبداعات أخرى للسلف والخلف.
“وتابع: استوقفتني كلمات هي مفاتيح، مع أنها تتعلق بقضية أشمل، وهي إرادة الله وإرادة العباد، التي ذكرها العلامة أبو حيان التوحيدي في البصائر والذخائر، حيث يقول: “”اعلم أن الحق قد تولاك بإرادتين: إرادة منك وإرادة منك، فأما إرادته منك فقد بينها لك بلسان الإلزام والتوفيق، وأما إرادته لك فقد حرفها عن كل تحديد وتقييد، ثم أقام سلطانه عليك، فإذا قابلت الأمر بالطاعة، والنهي بالشهادة، والدعاء بالإجابة، والهداية بالهداية، فقد صدقت إرادته منك وإرادته لك””.”
وأضاف: قد يسأل سائل: ما علاقة هذا الاستشهاد بالقضية المطروحة؟ نحن نتحدث عن: “الفتوى والبناء الأخلاقي في عالم متسارع الخطى”، والحقيقة أن هذا ليس إلا وضع القضية في سياقها، أي أن الفتوى يجب أن تكون مبنية على أسس وضوابط ثابتة تحميها من مخاطر الانزلاق والتهور، مما قد يدفعنا إلى إصدار الفتاوى في قضايا معاصرة دقيقة بشكل لا يرضي الضمير ولا يواكب منهجنا الإسلامي الذي يرتكز على قوله تعالى: {أَفَلَا يَتَحَكَّمُونَ فِي أَمْرِهِمْ}[النور: 11].[the time of]ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون[in faith]ومن هنا نصل إلى حتمية وضع ضوابط وقواعد نستطيع الرجوع إليها والانطلاق منها، مثل المعادلات الجبرية بدرجاتها المختلفة، في مجالات:
– التعاملات المالية عن طريق البنوك الإسلامية وتجنب الخلط بين متاهات الربا والمضاربة والربا.
– التعامل بحذر والاعتماد على الكفاءات العلمية التي تخاف الله في الرد على تحديات قضايا الإنجاب (أطفال الأنابيب، بنوك الحيوانات المنوية، استعارة الأرحام…) ومنع اختلاط الأنساب وتغيير خلق الله ومعالجة التشوهات الخلقية داخل الأرحام، وهو البعد الأخلاقي الذي يجب اعتماده في هذا المجال.
– التعامل في مجالات الذكاء الاصطناعي ومحاولة استبدال الجهد البشري بالروبوتات بحيث تصبح الآلة هي وسيلة الإبداع بدلاً من الإنسان الذي أودع الله فيه عجائب خلقه وأوكل إليه أمانة الخلافة.
– قضايا المثلية الجنسية: التباهي والانحراف في العلاقات الجنسية، والتي قد تقودنا إلى القضاء على الجنس البشري وجعل الاستثناء قاعدة يعمل بها الناس ويعتادون عليها.
– قضية المخدرات والطرق الجهنمية لحرمان الإنسان من قدراته العقلية وجعله يعيش في أوهام ومتاهات بعيدة عن واقع الحياة مما يبعده عن أداء دوره كخليفة على الأرض.
وفي السياق ذاته أوضح سماحة مفتي الجمهورية التونسية أن الصراع هو صراع وجودي بين القيم والثوابت والفضائل والسمو، مما يتطلب منا تغيير مناهج تفكيرنا وطريقة مقاربتنا للقضايا وتجاوز الخلافات الكلامية والمذهبية، بالانطواء والانغلاق الفكري والغرور والتعالي والاستخفاف بإبداعات الآخرين.
وأشار إلى أن ما نعيشه اليوم من محاولات التشكيك في مصادرنا، والنيل من ثوابتنا، والاعتداء على ما كتبه السلف، وحققه المحققون، حفاظاً على المصدرين الرئيسين لشرعنا: كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، قولاً وفعلاً وإقراراً، والاعتداء على علمائنا ومجتهدينا ورجال فكرنا، وانتهاك الأعراض والحرمات، والتشكيك في الثوابت والمتغيرات، هي تحديات تتطلب منا أداء الأمانة على أكمل وجه في إطار العمل الجماعي ومن خلال المجالس الفقهية والبحثية وجامعاتنا المتميزة، بما يثري الفكر ويسمح بالتواصل عبر تقنيات الاتصال الحديثة والمتعددة التي تسهل تبادل الخبرات والآراء، قائلاً: ألم يقل تعالى: {والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون} (4).
وقال: “لقد أبدع العلامة السيوطي بحق في دعوته إلى جعل الاجتهاد منهج حياة واستجابة للجمود الفكري الذي أوصلنا إلى ما وصلنا إليه من العواقب والاتهامات، وذلك في كتابه (الرد على من حرص على الأرض وجهل وجوب الاجتهاد في كل عصر). فلنجعل الاجتهاد والاستجابة للقضايا التي تواجهنا اليوم طريقنا والطريق الأصح، بشرط أن نضع ميثاقاً أخلاقياً يلزمنا جميعاً بالضوابط التي يقوم عليها شرعنا؛ من أجل الحفاظ على إنسانيتنا وأخلاقنا، مع مراعاة: الأبعاد الاجتماعية، وفهم قضايا العصر ومتطلبات الحداثة، ودعم حقوق الإنسان وكرامته وحريته، والقدرة على اكتساب المعرفة المتنوعة للخصوصيات العلمية والفكرية والثقافية وأعراق الشعوب، والاستجابة لتطلعات الأجيال، وفتح الآفاق ونشر الأمل والتفاؤل بعيدًا عن التشهير بالله، متعلمين من قوله تعالى: {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال} وهذا محرم لتفتروا على الله الكذب، إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون.
وفي ختام كلمته أشار إلى أن مؤسسة الإفتاء في الجمهورية التونسية تعمل بكل جهدها على الاهتمام بالجانب الأخلاقي بما له من أثر وتأثير في بناء الفرد والمجتمع المسلم وذلك بإعطائه الأهمية القصوى عبر وسائل الإعلام المشتركة، ومن ذلك حرصنا على تطوير ديوان الإفتاء في مجالات تخصصه المختلفة للارتقاء إلى مستوى الفتوى المعاصرة الفعالة في بيئتها والتي تجيب على الأسئلة وما يصادفه المواطن من ارتباك وخوف من سلوكيات قد تتعارض مع الدين ومقاصده.
وأيضاً من خلال التواصل المباشر مع المواطنين للإجابة على تساؤلاتهم ومحاولة رأب الصدع في بناء الأسرة بما يضمن الحفاظ عليها وسلامة الأبناء من متاهات الفرقة والانحراف، بل وحتى إنقاذ الأجيال من خطر الانزلاق إلى التطرف والتعصب والاعتماد على فتاوى لم يأذن بها الله، اقتداءً بالمنهج المحمدي الذي كرم الإنسان بتطهير فكره وأخلاقه، فكانت رسالة الإسلام رسالة الأخلاق بامتياز، كما يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».
وشدد مفتي تونس على أن الدعوة ملحة لإحياء هذا النهج وجعله نهج عملنا لتربية النشء على قيمنا الإسلامية السامية بما ينعكس إيجابا على السلوك العام في المجتمع من خلال توظيف كافة وسائل الإعلام والاتصال التي يجب أن تلتزم بالقيم الإنسانية والأخلاقية التي مثلها رسول الله صلى الله عليه وسلم في سيرته العطرة.

للمزيد : تابعنا هنا ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر .

مصدر المعلومات والصور: خليجيون 

 


اكتشاف المزيد من رأي الأمة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من رأي الأمة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading