وكيل الأزهر: فلسفة القرآن لا مكان فيها لعلاقات الصراع والقتال مع المسالمين
قال الدكتور محمد الدويني وكيل الأزهر، إن قضية الدعوة الإسلامية يجب أن يحملها جميع علماء الأمة ويجتمعوا حولها. إن ما تواجهه الدعوة الإسلامية يدعونا إلى إجراء دراسة متأنية لمستقبلها في ظل التحديات التي تواجهها الأمة. ولعل الحوار الحضاري، الذي يعني في مجمله عملية تبادل الأفكار والقيم والمعارف بين مختلف الحضارات والشعوب، بهدف تحقيق التفاهم المتبادل والتعايش السلمي، هو أعمق من مجرد النقاش، فهو بناء الجسور. التواصل بين الثقافات، والعمل على إيجاد أرضية مشتركة تجمع البشرية جمعاء.
وأضاف وكيل الأزهر خلال المؤتمر الدولي الرابع لكلية الدعوة الإسلامية بالقاهرة والذي جاء بالتعاون مع مجمع البحوث الإسلامية تحت عنوان: “الدعوة الإسلامية والحوار الحضاري: رؤية واقعية واستشرافية”. الرؤية”، أن حوار الحضارات يمس العديد من المجالات العلمية، منها المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويتداخل أيضاً. ولها بعد محلي ودولي، قديماً وحديثاً؛ ولذلك فإن طرح “الحوار الحضاري” كموضوع للنقاش يجب أن يكون طرحاً شاملاً، يعكس الترابط بين مجالات المعرفة المختلفة، والتي يعتقد البعض أنها معزولة أو مستقلة، بالإضافة إلى ضرورة فهم أن الحضارة الإنسانية هي نتاج للمعرفة. جميع الناس، بمساهمات متفاوتة للشعوب والأمم. وفي بنائه خلافا لما يراد به التقليل من البعض والمبالغة في البعض الآخر لاعتبارات أيديولوجية أو سياسية تتخفى وراء شعارات علمية.
وأوضح الدكتور الدويني أن المؤتمر يجب أن يتجاوز التنظير للحوار الحضاري من حيث المفهوم وتاريخ نشأته والعلماء والمفكرين الذين تحدثوا عنه، إلى بلورة عملية سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية حقيقية. مسارات تقرب بين البشر وتوحدهم على أصول حقيقية لا يمكن إنكارها، مما يدل على أن الحضارات في حد ذاتها لا تقوم بالحوار. ولا تتحاور، بل الذي يحاور هو الإنسان، الذي يرسل ويستقبل، ويسأل ويسأل، ويوافق ويختلف، وينقل هذه المعاني من الإنسان إلى الحضارة. يسمونها “حضارة أنسنة”؛ بمعنى إضافة الصفات الإنسانية إلى الحضارة.
وأوضح أن التثاقف هو فعل إنساني يحدث بين البشر، وتنتقل فيه العادات والتقاليد والأنماط الثقافية والاتجاهات الفكرية، وأن الإنسان لا يملك فرصة الاختيار في هذا التثاقف. خاصة وأن العالم الآن أصبح قرية صغيرة، وأصبح الناس أشبه بسكان مبنى واحد، ولعل المستقبل وما يحمله سيجعلهم سكان شقة واحدة. إذا طرقها طارق سيسمع كل من فيها صوته، إلا من اختار العزلة. إن الحوار مع البشر اليوم أصبح أسهل وأسهل من أي وقت مضى. ضغطة أو لمسة بأصغر إصبع تكفي لأن يكون الإنسان في الصين أو الهند أو أمريكا يقرأ في المكتبات العالمية ويشارك في الفعاليات الثقافية المختلفة. ولكن المدهش حقاً هو أن نرى البشر تتاح لهم هذه الفرصة العظيمة كلما زادت قدرتهم على التواصل، وأصبحوا أكثر عصبية وانعزالاً، وازدادت الخلافات بينهم!
وتساءل ممثل الأزهر عن موقف الهويات من هذا الحوار الذي يديره الآن حزب يمتلك بعض مقومات الحياة، وهذا الطرف يتجاهل حقيقة الحضارة ومكوناتها، وأن ذلك مجرد فكما تحتاج المادة تحتاج إلى الروح، وكما تثق بالملموس لا تستطيع الاستغناء عن المعنى! فهل يتطلب منا الحوار الحضاري ونحن نملك تاريخا غنيا وعلوما أضافت للحياة ما كتب عنه المسلمون والعرب وغير العرب، ومن ذلك كتاب: “أثر العرب في الحضارة الأوروبية” للمفكر عباس محمود الدليمي. – العقاد، ومنه كتاب: «شمس العرب تشرق على أوروبا» للمستشرق. سيغريد هوينكي، وما إلى ذلك؛ فهل يتطلب ذلك أن نعيد النظر في موقفنا الحضاري؟ وأن نكون فاعلين في إجراء حوار حضاري لا يتعمد إهمال ديننا وقيمنا وعلومنا وتراثنا وهويتنا؟ فهل التثاقف الثقافي القائم الآن، والذي يدار وفق أيديولوجية خاصة، يثير القلق والخوف على شبابنا الذين هم أمل أمتنا؟
وأكد الدكتور الدويني أن هذا المؤتمر ليس تعليماً مملاً، ولا فلسفة غارقة في التنظير، لكنه يضع أيدينا على الآلام والآمال التي ينبغي أن تكون نصب أعيننا، ويكشف -إذا نظرنا جيداً- العوائق الحقيقية التي تقف أمامنا. منع الأمة والمساهمة الثقافية فيها، والتي تنبع من خيراتها. والتي وهبها لهم رب العالمين، مشيراً إلى أن بعض الأمم والشعوب مقصدها أن تتلقى تدابير تعليمية وثقافية واقتصادية وسياسية؛ أن تكون خاضعًا إلى الأبد، لا إيديولوجيًا أبدًا، ولا ينهزم أبدًا، ولا يُنهب أبدًا؟!
واختتم وكيل الأزهر كلمته بتوجيه خمس رسائل حول أهمية دور الحوار الحضاري، وهي:
الرسالة الأولى: ما نزل الوحي من السماء إلا ليرسم للإنسان طريق السعادة في الدنيا والآخرة، وليعلمه قيم الرحمة والحق والخير، ويحفظ له دمه وماله ، وشرفه. وبنور هذا الوحي تستطيع الإنسانية أن تنهض من كارثة العنصرية وسفك الدماء والقتل البشري، وسيحظى الإنسان في غزة بالحماية كما يحمي أي إنسان على وجه الأرض.
الرسالة الثانية: فلسفة القرآن الكريم لا مكان فيها لعلاقات الصراع والقتال مع المسالمين. ولذلك فإن كلمة “السلام” ومشتقاتها تملأ القرآن في آياته وسوره، حتى أصبح الإسلام والسلام وجهين لعملة واحدة، إذا صح هذا التعبير. وللدليل العاجل على ذلك، يكفي مقارنة كلمتي السلام والحرب في القرآن. ولندرك شيوع السلام في أوامر الإسلام، وأن مبدأ “السلام” هو أساس معاملة المسلمين وعلاقاتهم بالكون من حولهم وبجميع كائناته. وهكذا تنكشف اتهامات المخادعين الذين لا يتورعون عن ظلم الإسلام وأهله بما لا يدع مجالاً للشك!
الرسالة الثالثة: الحوار الحضاري بين البشر ضرورة يقتضيها التنوع والاختلاف في الألسنة والألوان والثقافات والعلوم. فالحوار بين البشر لا يكون إلا فيما اتفقوا عليه، وما أكثرهم! ولا يعقل أن يؤدي التنوع إلى الشر والكراهية والتهميش والإقصاء كما يدعي أبناء صهيون!
الرسالة الرابعة: علينا أن نعيد قراءة أنفسنا، ونفهم طبيعة أمتنا، وندرك الرسالة التي نقلتها الأمة إلى شعبها. يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويؤمن بالله، ويملك أسباب الدنيا، وينير طريق الآخرة.
الرسالة الخامسة: أمتنا وأوطاننا أمانة في ملكنا يجب أن نحميها أفراداً ومؤسسات وشعوباً وحكومات بكل ما نملك من قوة وأدوات وفكر.
للمزيد : تابعنا هنا ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر .
مصدر المعلومات والصور: youm7