وزير الأوقاف من تتارستان: الانتماء إلى الوطن دين فى رقابنا جميعا
ألقى الدكتور أسامة الأزهري وزير الأوقاف كلمة في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الدولي الخامس “طريق الحرير الروحي.. أهمية القيم الدينية في منطقة أوراسيا الكبرى”، الذي تنظمه الإدارة الدينية لمسلمي روسيا الاتحادية في مدينة قازان الروسية عاصمة جمهورية تتارستان، بالتعاون مع جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، خلال الفترة من 25-26 يوليو 2024، وبالتعاون مع مفتي جمهورية تتارستان.
أسامة الأزهري وزير الأوقاف في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الدولي الخامس
وفي بداية كلمته، شكر وزير الأوقاف سماحة المفتي الشيخ راوي عين الدين رئيس الإدارة الدينية لمسلمي روسيا الاتحادية ومجلس مفتي روسيا، والدكتور خليفة مبارك الظاهري مدير جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية من دولة الإمارات العربية المتحدة، وفضيلة المفتي كامل سميع الله مفتي جمهورية تتارستان، وجميع الوفود المشاركة.
ووجه شكره الخالص للرئيس رستم مينيخانوف رئيس جمهورية تتارستان وقيادة روسيا الاتحادية، قائلاً: إننا في أرض مصر نفخر كثيرًا بالصداقة العميقة والأخوة الكاملة بين الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية والرئيس فلاديمير بوتين رئيس روسيا الاتحادية، وندعو الله العلي القدير لأرض مصر وروسيا الاتحادية ولبلادنا وأوطاننا كلها بالأمن والتقدم والرخاء.
مشيرين إلى أننا جميعا أعضاء في مجموعة البريكس، وبالتالي لدينا علاقات متبادلة وتعاونية ينبغي لنا أن نحقق الاستفادة القصوى منها.
وأكد وزير الأوقاف في كلمته أن روسيا الاتحادية ومنطقة القوقاز وشمال القوقاز وروسيا الوسطى ومنطقة أوراسيا عموماً ترتبط بأرض مصر بروابط عميقة قديمة، حيث جاء بعض العلماء من روسيا الاتحادية إلى مصر واتخذوها وطناً لهم وماتوا ودُفنوا في أرضها، مثل العلامة الكبير موسى جار الله. وأعود بكم إلى ما قبل نحو 170 عاماً في التاريخ، عندما كان لشيخ الأزهر الشريف الإمام الأكبر الشيخ حسن العطار رؤية سابقة وثاقبة في بناء الجسور بين الحضارات والأمم، حيث أرسل تلميذه العلامة الكبير الشيخ رفاعة الطهطاوي إلى باريس قبل 170 عاماً. ثم أرسل الشيخ محمد عياد الطنطاوي إلى روسيا بعد أن أتقن اللغة الروسية، فجاء إلى روسيا وأقام في مدينة سانت بطرسبورغ عشرين عاماً أو أكثر مدرساً للغة العربية والعلوم الإسلامية في أكبر جامعات روسيا. وقد أعجب به كبار العلماء والمستشرقين الروس، حتى أن المستشرق والباحث الكبير كراتشكوفسكي ألف كتاباً باللغة الروسية عن حياة هذا العالم الأزهري المصري الكبير الشيخ محمد عياد، كما ألف الأستاذ الدكتور الطنطاوي، وكذلك الأستاذ الشيخ محمد عياد الطنطاوي كتاباً بعنوان “تحفة الأذكياء في أخبار بلاد روسيا”، وهو يمثل مرآة حقيقية وحباً وملاحظة عميقة لعين مصرية ورجل أزهري سجل ما رآه عن هذه البقعة العظيمة والقديمة من العالم. ويحرص السفير الروسي لدينا في أرض مصر حتى يومنا هذا كل عام على الذهاب إلى القرية التي أنجبت هذا العالم الكبير. ويمثل هذا البعد العظيم في التاريخ البدايات الأولى لتأسيس وتأسيس طريق الحرير الروحي.
وأضاف وزير الأوقاف أنه من أجل إطفاء نار الفتنة ووقف نزيف الدم واحترام الإنسانية ظلت هذه البوادر المبكرة تنطلق لبناء طريق الحرير الروحي حتى التقط هذه الفكرة الرائعة بذكاء شديد سماحة المفتي الشيخ راوي عين الدين في عام 2016 حيث صاغ هذا الواقع المجسد في التاريخ وبشّر بمستقبل زاهر عندما أطلق مشروع طريق الحرير الروحي الذي نلتقي به اليوم في الفعالية الخامسة من فعالياته انطلاقاً مما أسس له أسلافنا وعلماؤنا السابقون وانطلاقاً من الرؤية الحكيمة التي نتشارك فيها ونتعاون جميعاً.
وأكد وزير الأوقاف أن القرآن الكريم له مستويان من الهداية، فقد جاء بهداية خاصة تخاطب المسلمين الذين آمنوا به، وجاء بمستوى آخر من الهداية وهو الهداية العامة التي تخاطب كل إنسان على وجه الأرض سواء كان مؤمناً به أم لا، ويتمثل الهداية الخاصة في كل آية في القرآن الكريم تبدأ بقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا) وهي ثمان وثمانون آية كما أحصى الإمام فخر الدين الرازي، أما المستوى الثاني من الهداية وهو الهداية العامة فيتمثل في كل آية يبدأ بها القرآن الكريم: (يا أيها الناس) أو بقوله تعالى: (يا أيها الإنسان) أو بقوله تعالى: (يا بني آدم) وهي اثنتان وعشرون آية نستطيع من خلالها نحن المسلمين أن نصيغ عهداً معرفياً وأخلاقياً وروحياً يخاطب كل إنسان على وجه الأرض. وقد شرحت هذه النظرية في الهداية العامة بالتفصيل في كتاب من تأليفي اسمه (مقدمة في أصول التفسير) وقد ترجم إلى الإنجليزية والفرنسية.
وأشار وزير الأوقاف إلى أن التوجيه العام هو ما ندور حوله اليوم، فنحن كمسلمين نريد أن نقدم للإنسانية جمعاء رؤية وفكرة نؤسس فيها لمعنى التعارف بين الحضارات بديلاً لفكرة صراع الحضارات التي طرحها (صموئيل هنتنجتون)، فنحن ضد كل فكر يدعو إلى الصدام أو الإرهاب أو القتل أو القطيعة بين الشعوب والأمم والحضارات والأديان، ونريد في طريق الحرير الروحي أن نقدم للإنسانية جمعاء خطاباً قرآنياً يخاطب كل إنسان على وجه الأرض بتعزيز القيم وضمان أمن الأوطان واستقرار الدول وإكرام الإنسان وبناء الحضارة.
كما أكد وزير الأوقاف أن القيم الأخلاقية العظيمة تنقسم إلى قسمين: قيم تحفظ بقاء وأمن واستقرار الدول، كالعيش المشترك والمواطنة والوطنية والتعايش والتعارف، هذه القيم تحفظ أوطاننا وأراضينا، لكن طموحنا أكبر بكثير، لا نريد أن نتوقف عند قيم البقاء، بل نريد أن ننتقل إلى قيم الانطلاق إلى المستقبل، نريد أن ننقل أوطاننا وأوطاننا نحو هدف أكبر وهو صناعة الحضارة، نريد من كل أبناء الأمة الإسلامية أن ينتهوا سريعاً من مواجهة الإرهاب والحفاظ على الأوطان وتعزيز قيم التعايش حتى ننتقل نحو الإبداع في العلم والمعرفة، وليعود المسلمون كما كانوا قبل عصرهم أصحاب إبداع في علوم الفلك والطب والتشريح والهندسة وعلوم الحياة والحضارة والعمران، نريد العشرات ممن يحصلون على جائزة نوبل، نريد العشرات ممن يسجلون براءة اختراع لاكتشاف أو اختراع. نريد العشرات ممن يبنون الجسور بين الأمم والحضارات، نريد منا جميعاً كأمة إسلامية، مع شركائنا من الشعوب والأديان الأخرى، أن نقدم الخير والرخاء لكل البشرية.
كما شدد وزير الأوقاف على قيمة الوطن، مشيراً إلى أن تيارات الإرهاب والتطرف القبيح على مدى العقود والسنوات الماضية استهدفت فكرة الوطن بطوفان وعدد كبير من الأفكار التي تشكك في قيمة الوطن، وتقزم قيمة الوطن وتقلل من قيمته، وقد جمعت هذه الأفكار المتطرفة وهي سبع أفكار تهاجم مفهوم الوطن، وقمت بتفكيكها ودحضها وتفنيدها في كتاب أسميته: (الحقيقة الواضحة في الرد على من يلعب بالدين).
ووجه وزير الأوقاف نصيحته لكل مسلم من أبناء روسيا الاتحادية وبقية الدول الشريكة والمجاورة، ولأمتنا العربية والإسلامية، ولكل مسلم على وجه الأرض، أن يكون مواطناً صالحاً مخلصاً في وطنه، منتمياً لوطنه، يسعى لمجد وطنه، ورفع شأنه، واستقراره، وأمنه، مؤكداً أن الانتماء للوطن دين علينا جميعاً، ولا يعصيه ويتهرب منه إلا صاحب الطبع السيئ والنفس المظلمة، وأن ما نطمح إليه جميعاً في وطننا أن يكون المسلم صاحب ولاء وصلاح وانتماء.
وأشار أيضاً إلى المحاور التي تعمل وزارة الأوقاف المصرية على تحقيقها، أولها أننا نحشد كل جهودنا لمحاربة كل أشكال الإرهاب والتطرف والتكفير والعنف حتى نطفئ تماماً نيران التطرف ونفكك منطلقات وأفكار هذه الحركات.
المحور الثاني هو إطفاء نيران كل أشكال الانحدار في أهم القيم السلوكية والأخلاقية، وفي هذا المحور الثاني نناقش الإلحاد، ونفكك قواعده، ونواجه الإدمان، والانتحار، واليأس، والإحباط، والحزن، ثم نملأ الضمير الإنساني بكل قيم النبل والأخلاق المحمدية، والمعاني الروحية السامية.
المحور الثالث هو محور التنمية البشرية، وهو الذي يحقق أهداف طريق الحرير الروحي، إذ نريد أن نبني الشخصية الإنسانية لتكون قوية، شغوفة بالعلم، شغوفة بالبناء، متفتحة الفكر، وطنية، مخلصة، تقدم الخير للإنسانية، وتكون إنساناً سعيداً يقدم الخير والمنفعة للناس.
المحور الرابع والأخير هو خلق الحضارة والابتكار في العلوم، حيث يساهم المسلمون في هذا العالم المتغير بشكل كبير في عالم الذكاء الاصطناعي من خلال اختراق أجواء الفضاء في خلق النظريات والحلول العلمية لمعالجة الأزمات الإنسانية والإجابة على الأسئلة المحيرة.
وفي ختام كلمته دعا وزير الأوقاف الله عز وجل أن يحفظ إخواننا في فلسطين وغزة على وجه الخصوص من العدوان الإجرامي الذي حل بهم، مؤكداً موقف مصر الثابت بالتضامن المطلق مع إخواننا في فلسطين وغزة على وجه الخصوص وفي حفظ حق إخواننا في فلسطين في إقامة دولتهم الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، داعياً إلى نجاح المؤتمر بشكل كامل، كما دعا إلى نجاح قمة البريكس المقرر عقدها في أكتوبر المقبل بحضور رؤساء الدول في نفس مدينة قازان.
للمزيد : تابعنا هنا ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر .
مصدر المعلومات والصور: youm7